فصل: الطرف الرابع في المكاتبات إلى عظماء ملوك الإسلام ومن انطوت عليه ممالكهم ممن دونهم من الملوك والحكام المنفردين ببعض البلدان والأمراء والوزراء وسائر من ضمه نطاق كل مملكة من تلك الممالك ممن جرت العادة بمكاتبته عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية ممن هو مستمر المكاتبة أو زالت مكاتبته بزواله ليقاس عليه من لعله يظهر مظهره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المقصد الثالث في المكاتبات في أوراق الجواز وبطائق الحمام:

وفيه جملتان:
الجملة الأولى في أوراق الجواز:
وهي المعبر عنه في زماننا بأوراق الطريق. قال في التثقيف: تكون ورقة الطريق في ثلاثة أوصال في قطع العادة، يكتب في أعلاها سطر واحد، صورته: ورقة طريق على يد فلان بن فلان الفلاني لا غير. ثم يخلى بيت العلامة تقدير شبر، ويكتب في بقية ذلك الوصل قبل الوصل الثاني بأربعة أصابع مطبوقة بغير بسملة: رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني- أعلاه الله تعالى وشرفه، وأنفذه وصرفه- أن يمكن فلان الفلاني. وتذكر ألقابه إن كان أميراً، أو متعمماً كبيراً، أو ممن له قدر، أو له ألقاب معهودة أو غير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال من التوجه إلى جهة قصده والعود. ويحمل على فرس واحد أو أكثر من خيل البريد المنصور من مركز إلى مركز على العادة متوجهاً وعائداً فإن كان متميز المقدار كتب: ويعامل بالإكرام والاحترام، والرعاية الوافرة الأقسام؛ فليعتمد ذلك ويعمل بحسبه، من غير عدول عنه بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه. قال: وما تقدم من كتابة أنه يمكن من التوجه والعود، هو فيما إذا كان عائداً ورسم بتمكينه من العود، وإلا فيكتب أن يمكن من التوجه إلى جهة قصده. فإن كان قد حضر إلى الأبواب وهو عائد، فالأحسن أن يكتب فيه أن يمكن من العود إلى جهة قصده. وكذا ويعامل بالإكرام والاحترام لا يكتب إلا لأمير، أو ذي قدر كبير. فإن كان غيره، كتب بد له مع الوصية به ورعايته ونحو ذلك. وإن رسم له بنفقة، كتب بعد ذكر خيل البريد: ويصرف له من النفقة في كل يوم كذا وكذا درهماً خلا الأماكن المرسوم بإبطالها. وذلك أن الطرقات أماكن لا يصرف فيها شيء الآن، فيحتاج إلى أن تستنثى، وكانت قبل ذلك تعين! وهي: بلبيس، وطفيس، وأربد وغيرها. ثم كثرت عن التعداد، فصار يكتب كذلك. ثم قال: ومما ينبه عليه أن صاحب ورقة الطريق إن كان من مماليك النواب أو رسل أحد من أكابر البلاد، ذكر فيه بعد ذكر ما يليق به من الألقاب: فلان مملوك فلان أو رسول فلان. وتذكر ألقاب مخدومه التي كوتب بها اختصاراً. وإلا تذكر نعوته على يد من رسم بنفيه، كتب: أن يمكن الأمير فلان الدين فلان من التوجه صحبة فلان البريدي بالأبواب الشريفة، أو أحد النقباء بالباب ليوصله إلى المكان الفلاني، ويحمل على كذا كذا فرساً من خيل البريد المنصور إن كان قد رسم له بشيء من خيل البريد ويحمل البريدي على كذا من خيل البريد المنصور أو ويحمل النقيب على فرس واحد من خيل الكراء من ولاية إلى ولاية على العادة في ذلك، ويمكن البريدي إن كان بريدياً أو النقيب إن كان نقيباً من العود إلى الباب الشريف. ثم يكمل بنسبة ما تقدم. وإذا فرغ من صورته، كتب بعد ذلك إن شاء الله تعالى، ثم التاريخ والمستند على العادة.
قال: في التثقيف: والمستند في أوراق الطريق أحد ثلاثة أمور: إما خط كاتب السر، وهو الغالب. أو رسالة الدوادار، وهو كثير أيضاً. أو إشارة نائب السلطان إن كان ثم نائب، وهو نادر. فإن كان بخط كاتب السر، كتب على الهامش من الجانب الأيمن سطر واحد يكون آخره يقابل السطر الأول الذي هو رسم بالأمر الشريف، وهو حسب المرسوم الشريف. وكذا إن كان بإشارة النائب، كتب سطران على الهامش المذكور آخرهما أيضاً يقابل أول السطر الأول بالإشارة العالية، كما تقدم في الكلام على المستندات في المقالة الثانية. قال: وفي هاتين لا يكتب في ذيلهما بعد التاريخ سوى الحسبلة لا غير. وإن كان برسالة الداوادار، كتب على الهامش حسب المرسوم الشريف فقط، وكتب تحت التاريخ سطران هما رسالة المجلس العالي الأميري الفلاني فلان الدوادار المنصوري أدام الله تعالى نعمته ثم الحسبلة.
الجملة الثانية في نسخ البطائق:
وهي على ضربين:
الضرب الأول: أن تكون البطاقة بعلامة شريفة:
قال في التثقيف: وتكون نحو ثلثي وصل من ورق البطائق. قال: وصورتها أن يكتب في رأس الورق المذكور في الوسط سواء الاسم الشريف وتحته ملصقاً به من غير بياض سطر واحد كامل من يمين الورق بغير هامش بما يأتي ذكره. ثم يخلى بيت العلامة تقدير أربعة أصابع مطبوقة، ثم تكتب تتمة الكلام أسطراً متلاصقة بنسبة الأول، بغير هامش أصلاً إلى آخره. والذي يكتب من يمين الورق: الله الهادي. سرح الطائر الميمون ورفيقه، هداهما الله تعالى في الساعة الفلانية من اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من سنة كذا وكذا، إلى المجلس الكريم، أو السامي، الأمير فلان والي فلانة، أو نحو ذلك، يعلمه أن الأمر كذا وكذا. ومرسومنا له أن يتقدم بكذا وكذا. فليعلم ذلك ويعتمده، والله الموفق بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى، حسبنا الله ونعم الوكيل. والمستند لها حسب المرسوم الشريف.
الضرب الثاني: أن تكون بغير علامة:
وصورتها أن يكتب في رأس الورقة في الوسط موضع الاسم: الله الهادي بكرمه، والأسطر متلاصقة بغير هامش، ولا يخلى فيها بيت علامة. وصورة ما يكتب فيها: المرسوم بالأمر الشريف، العالي، المولوي، السلطاني، الملكي، الفلاني، الفلاني، أعلاه الله تعالى وصرفه- أن يسرح هذا الطائر الميمون ورفيقه، هداهما الله تعالى في وقت كذا وكذا. ويكمل على حسب ما تقدم، والله الموفق، حسب المرسوم الشريف، إن شاء الله تعالى. قال في التثقيف: وقد يقتضي الحال نقلها من مكان إلى مكان آخر، مثل أن تنثل من بلبيس إلى قطيا، فيكتب بعد ذكر المرسوم به: ويتقدم بنقل هذه البطاقة إلى فلان الفلاني ليعتمد مضمونها ويعمل بحسبها. فإن كانت منقولة إلى مكان ثالث، كتب بعد ذلك: ثم ينقلها إلى فلان ليعتمد مضمونها أيضاً ويعمل بمقتضاها فيعلم ذلك ويعتمده. والتتمة حسب ما تقدم.

.الطرف الرابع في المكاتبات إلى عظماء ملوك الإسلام ومن انطوت عليه ممالكهم ممن دونهم من الملوك والحكام المنفردين ببعض البلدان والأمراء والوزراء وسائر من ضمه نطاق كل مملكة من تلك الممالك ممن جرت العادة بمكاتبته عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية ممن هو مستمر المكاتبة أو زالت مكاتبته بزواله ليقاس عليه من لعله يظهر مظهره:

واعلم أن كتاب الديار المصرية يراعون في المكاتبة إلى كل مملكة صورة المكاتبة الواردة عن تلك المملكة في غالب حالها: في الابتداء والخطاب والاختتام وغير ذلك.
وفيه أربعة مقاصد:

.المقصد الأول في المكاتبات إلى عظماء ملوك الشرق ومن انطوت عليه كل مملكة من ممالكهم ممن جرت العادة بمكاتبته:

وفيه أربعة مهايع:

.المهيع الأول في المكاتبة إلى الملوك والحكام ومن جرى مجراهم بمملكة إيران:

وهي مملكة الأكاسرة الصائرة إلى بيت هولاكو من بني جنكزخان، وقد تقدم في المقالة الثالثة في الكلام على المسالك والممالك ذكر حدود هذه المملكة وقواعدها ومدنها، وإلى من تنسب، ومن ملكها جاهلية وإسلاماً إلى زماننا. والمقصود هنا ذكر المكاتبات فقط، ويشتمل المقصود منها على ثلاث جمل:
الجملة الأولى في رسم المكاتبة إلى قانها الأعظم الجامع لحدودها على ما كان الأمر عليه من مبدأ ملك بيت هولاكو وإلى آخر دولة أبي سعيد:
وله حالتان:
الحالة الأولى- ما كان الأمر عليه في رسم المكاتبة في أوائل الدولة التركية، والعداوة بعد قائمة بين ملوك الديار المصرية وبين ملوكها. وفيه أسلوبان: الأسلوب الأول- أن يكتب تحت البسملة من الجانب الأيمن بقوة الله تعالى، ويكون بقوة الله سطراً وتعالى سطراً؛ ثم يكتب من الجانب الأيسر: بإقبال دولة السلطان الملك الفلاني. ويكون بإقبال دولة سطراً، وباقي الكلام سطراً ثانياً. ثم يكتب تحت ذلك كلام فلان سطراً ثانياً إلى السلطان فلان سطراً ثالثاً. ثم يؤتى ببعدية وخطبة، ويؤتى بالمقصود.
وطريقهم فيه على التكلم عن لسان صاحب مصر بنون الجمع، والخطاب لسلطان إيران بميم الجمع الغائب، مضاهاة لمكاتبتهم الواردة عنهم في جميع ذلك.
وهذه نسخة كتاب، كتب به عن السلطان الملك المنصور قلاوون، صاحب الديار المصرية، في جواب كتاب ورد عن السلطان أحمد القان بإيران في زمانه. يذكر فيه أن أسلم، إذ كان أول من أسلم من ملوكهم، ويذكر فيه أن أخاه الكبير كان قد عزم على دخول ممالك الديار المصرية قبل موته، وأنه منع ذلك؛ وأنه لا يحب المسارعة إلى القتال، وأن المشير بذلك الشيخ عبد الرحمن: أحد صلحاء بلادهم، وأنه حرم على عساكره الغارات على البلاد، وتعرض فيه إلى أمر الجواسيس، وأشار إلى أن الاتفاق فيه صلاح العالم، وأشار إلى أشياء حملها لرسله يذكرونها مشافهة، ووقع الجواب عن جميع ذلك على ما سيأتي ذكره في الكتب الواردة على الديار المصرية. وكتب بخط ناصر الدين شافع ابن علي بن عباس: أحد كتاب الإنشاء، في رمضان سنة إحدى وثمانين وستمائة. والتكلم بنون الجمع، والخطاب بالجمع الغائب كما تقدم في الأسلوب الأول، وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم
بقوة الله بإقبال دولة تعالى السلطان الملك المنصور كلام قلاوون إلى السلطان أحمد أما بعد حمد الله الذي أوضح بنا ولنا الحق منهاجا، وجاء فجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا، والصلاة على سيدنا ونبينا محمد الذي فضله الله على كل نبي نجى به أمته وعلى كل نبي ناجا، صلاة تنير مادجا؛ فقد وصل الكتاب الكريم، المتلقى بالتكريم، المشتمل على النبأ العظيم، من دخوله في الدين، وخروجه عمن سلف من العشيرة الأقربين؛ ولما فتح هذا الكتاب بهذا الخبر العلم المعلم، والحديث الذي صحح عند أهل الإسلام إسلامه وأصح الحديث ما روي عن مسلم، توجهت الوجوه بالدعاء إلى الله سبحانه في أن يثبته على ذلك بالقول الثابت، وأن ينبت حب حب هذا الدين في قلبه كما أنبته أحسن النبت من أخشن المنابت؛ وحصل التأمل للفضل المبتدئ بذكره من حديث إخلاصه في أول عنفوان الصبا إلى الإقرار بالوحدانية، ودخوله في الملة المحمدية، بالقول والعمل والنية؛ فالحمد لله على أن شرح صدره للإسلام، وألهمه شريف هذا الإلهام؛ فحمدنا الله على أن جعلنا من السابقين إلى هذا المقال والمقام، وثبت أقدامنا في كل موقف اجتهاد وجهاد تتزلزل دونه الأقدام.
وأما إفضاء النوبة في الملك وميراثة بعد والده وأخيه الكبير إليه، وإفاضة جلابيب هذه النعمة العظيمة عليه؛ وتوقله للأسرة التي طهرها الله بإيمانه وأظهرها بسلطانه؛ فلقد أورقها الله من اصطفاه من عباده، وصدق المبشرات من كرامة أولياء الله وعباده.
وأما حكاية الإخوان والأمراء الكبار ومقدمي العساكر وزعماء البلاد في مجمع فورلياي الذي ينقدح فيه زند الآراء، وأن كلمتهم اتفقت على ما سبقت به كلمة أخيه الكبير في إنقاذ العساكر إلى هذا الجانب، وأنه قد فكر فيما اجتمعت عليه آراؤهم، وانتهت إليه أهواؤهم؛ فوجده مخالفاً لما في ضميره: إذ قصده الصلاح، ورأيه الإصلاح؛ وأنه أطفأ تلك النائرة، وسكن تلك الثائرة؛ فهذا فعل الملك المتقي، المشفق من قومه على من بقي؛ المفكر في العواقب، بالرأي الثاقب؛ وإلا فلو تركوا وآراءهم حتى تحملهم الغرة، لكانت تكون هذه هي الكرة؛ لكن هو كمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فلم يوافق قول من ضل ولا فعل من غوى.
وأما القول منه إنه لا يحب المسارعة، إلى المقارعة، إلا بعد إيضاح المحجة، وتركيب الحجة؛ فبانتظامه في سلك الإيمان صارت حجبتنا وحجته متركبة، على من غدت طواغيته عن سلوك هذه المجبة متنكبة، فإن الله سبحانه وتعالى والناس كافة قد علموا أن قيامنا إنما هو لنصرة هذه الملة، وجهادنا واجتهادنا إنما هو لله؛ وحيث قد دخل معنا في الدين هذا الدخول، فقد ذهبت الأحقاد وزالت الذحول؛ وبارتفاع المنافرة، تحصل المظافرة؛ فالإيمان كالبنيان يشد بعضه ببعض، ومن أقام مناره فله أهل بأهل في كل مكان وجيران بجيران بكل أرض.
وأما ترتيب هذه الفوائد الجمة على إذكار شيخ الإسلام قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن، أعاد الله تعالى من بركاته، فلم ير لولي قبله كرامة كهذه الكرامة، والرجاء ببركته وبركة الصالحين أن تصبح كل دار إسلام دار إقامة، حتى تتم شرائط الإيمان، ويعود شمل الإسلام مجتمعاً كأحسن ما كان؛ ولا ينكر لمن بكرامته ابتداء هذا التمكين في الوجود، أن كل حق ببركته إلى نصابه يعود.
وأما إنفاذ أقضى القضاة قطب الملة والدين، والأتابك بهاء الدين؛ الموثوق بنقلهما في إبلاغ رسائل هذه البلاغة، فقد حضرا وأعادا كل قول حسن من أحوال أحواله، وخطرات خاطره، ومسطرات ناظره، ومن كل ما يشكر ويحمد، ويعنعن حديثهما فيه عن مسند أحمد.
وأما الإشارة إلى أن النفوس إن كانت تتطلع في إقامة دليل، تستحكم به دواعي الود الجميل؛ فلينظر إلى ما ظهر من مآثره، في موارد الأمر ومصادره: من العدل والإحسان، بالقلب واللسان، والتقدم بإصلاح الأوقات، فهذه صفات من يريد لملكه الدوام؛ فلما ملك عدل، ولم يلتفت إلى لؤم من عدا ولا لوم من عذل. على أنها وإن كانت من الأفعال الحسنة، والمثوبات التي تستنطق بالدعاء الألسنة؛ فهي واجبات تؤدى، وهو أكبر من أنه يؤخر غيره أو عليه يقتصر، أو له يدخر؛ إنما يفتخر الملك العظيم بأن يعطي ممالك وأقاليم وحصون، أو يبذل في تشييد ملكه أعز مصون.
وأما تحريمه على العساكر والقراغولات والشحاني بالأطراف التعرض إلى أحد بالأذى، وتحتيم إصفاء موارد الواردين والصادرين من شوائب القذى؛ فمن حين بلغنا تقدمه بذلك تقدمنا أيضاً بمثله إلى سائر النواب، بالرحبة وحلب وعينتاب؛ وتقدمنا إلى مقدم العساكر بأطراف تلك الممالك، بمثل ذلك؛ وإذا اتحد الإيمان، وانعقدت الأيمان؛ تحتم إحكام هذه الأحكام، وترتب عليه جميع الأحكام.
وأما الجاسوس الفقير الذي أمسك وأطلق وأن بسبب من تزيا من الجواسيس بزي الفقراء قتل جماعة من الفقراء الصلحاء رجماً بالظن، فهذا باب من ذلك الجانب ستروه، وإلى الاطلاع على الأمور صوروه؛ فظفر النواب منهم بجماعة فرفع عنهم السيف، ولم يكشف ما غطته خرقة الفقر ولا كيف.
وأما الإشارة إلى أن في اتفاق الكلمة يكون صلاح العالم، وينتظم شمل بني آدم؛ فلا راد لمن طرق باب الاتحاد، ومن جنح للسلم فما جار ولا حاد؛ ومن ثنى عنانه عن المكافحة، كمن يريد المصافحة للمصالحة؛ والصلح وإن كان سيد الأحكام فلا بد من أمور تبنى عليها قواعده، وتعلم من مدلولها فوائده؛ فإن الأمور المسطورة في كتابه عن كليات لازمة ينعم بها كل معنى معلوم إن تهيأ صلح أو لم، وثم أمور لا بد أن تحكم، وفي سلكها عقود العهود تنظم؛ قد تحملها لسان المشافهة التي إذا أوردت أقبلت من معنى دخوله في الدين، وانتظام عقده بسلك المؤمنين؛ وما بسطه من عدل وإحسان، وسيرة مشهورة بكل لسان، فالمنة لله في ذلك فلا يشيبها منه بامتنان؛ وقد أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم في حق من امتن بإسلامه: قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان.
ومن المشافهة أنه قد أعطاه من العطاء ما أغناه به عن امتداد الطرف إلى ما في غيره من أرض ومال، فإن حصلت الرغبة في الاتفاق على ذلك فالأمن حاصل؛ فالجواب أن ثم أموراً متى حصلت عليها الموافقه، تمت المصاحبة والمصادقة؛ ورأى الله تعالى والناس كيف يكون إذلال معادينا، وإعزاز مصافينا؛ فكم من صاحب وجد حيث لا يوجد الأب والأخ والقرابة، وما تم أمر الدين المحمدي واستحكم في صدر الإسلام إلا بمظافرة الصحابة؛ فإن كانت له رغبة مصروفة إلى الاتحاد، وحسن الوداد، وجميل الاعتضاد، وكبت الأعداء والأضداد، والاستناد إلى من يشتد به الأزر عند الاستناد، فقد فهم المراد.
ومن المشافهة إذا كانت رغبتنا غير ممتدة إلى ما ي يده من أرض ومال، فلا حاجة إلى إنفاذ المغيرين الذين يؤذون المسلمين بغير فائدة تعود؛ فالجواب أنه لو كف كف العدوان من هنالك، وخلي لملوك المسلمين ما لهم من ممالك؛ سكنت الدهماء، وحقنت الدماء؛ وما أحقه بأن لا ينهى عن خلق ويأتي مثله، ولا يأمر بشيء وينسى فعله؛ وقنغرطاب بالروم الآن، وبين بلاد في أيديكم خراجها يجبى إليكم، فقد سفك فيها وفتك، وسبى وهتك؛ وباع الأحرار، وأبى إلا التمادي على ذلك والإصرار.
ومن المشافهة أنه إن حصل التصميم على أن لا تبطل هذه الإغارات، ولا يقتصر عن هذه الإثارات؛ فتعين مكاناً يكون فيه اللقاء، ويعطي الله النصر لمن يشاء؛ فالجواب عن ذلك أن الأماكن التي اتفق فيها ملتقى الجمعين مرة ومرة ومرة قد عاف مواردها من سلف من أولئك القوم، وخاف أن يعاودها فيعاوده مصرع ذلك اليوم؛ ووقت اللقاء علمه عند الله لا يقدر، وما النصر إلا من عند الله لمن أقدر لا لمن قدر؛ وما نحن ممن ينتظر فلته، ولا ممن له إلى غير ذلك لفته، وما أمر ساعة النصر إلا كالساعة التي لا تأتي إلا بغته؛ والله تعالى الموفق لما فيه صلاح هذه الأمة، والقادر على إتمام كل خير ونعمه؛ إن شاء الله تعالى. مستهل شهر رمضان المعظم قدره، سنة إحدى وثمانين وستمائة. الحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه. حسبنا الله ونعم الوكيل.
الأسلوب الثاني: أن يكتب تحت البسملة على حيال وسطها بقوة الله تعالى وميامين الملة المحمدية ويكون بقوة الله تعالى سطراً. وميامين الملة المحمدية سطراً ثانياً. ثم يؤتى ببعدية وخطبة مختصرة؛ ثم يكتب سطران ببياض من الجانبين، فيهما: بإقبال دول السلطان الملك وباقي الكلام في السطر الثاني. ثم يقال: فليعلم السلطان فلان. ويؤتى على المقصود إلى آخره.
وهذه نسخة كتاب من إنشاء القاضي علاء الدين علي بن فتح الدين محمد ابن محيي الدين بن عبد الظاهر، صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية في جواب كتاب ورد عن السلطان محمود غازان، القان بمملكة إيران، يذكر فيه أن جماعة من عساكر البلاد الشامية أغارواعلى ماردين، وأن الحمية اقتضت الركوب في مقابلة ذلك. وذكر أنه قدم الرسول بالإنذار. ويذكر فيه أنهم صبروا على تماديهم في غيهم؛ ويذكر فيه نصرته على العساكر الإسلامية في المرة السابقة. ويذكر فيه أنه أقام بأطراف البلاد. ولم يدخلها خوف التخريب والفساد. ويذكر فيه جمع العساكر وتهيئة المجانيق وغير ذلك من آلة القتال. ويذكر أنه إذا لم تجر موجبات الصلح كانت دماء المسلمين مطلولة؛ ويذكر إرسال رسله بكتابه ويلتمس التحف والهدايا، مما كتب به عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في المحرم سنة إحدى وسبعمائة وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم
بقوة الله تعالى وميامين الملة المحمدية أما بعد حمد الله الذي جعلنا من السابقين الأولين، الهادين المهتدين؛ التابعين لسنة سيد المرسلين، بإحسان إلى يوم الدين؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين فضل الله من سبق منهم إلى الإيمان في كتابه المكنون. فقال سبحانه وتعالى: والسابقون السابقون أولئك المقربون.
بإقبال دولة السلطان الملك الناصر كلام محمد بن قلاوون.
فليعلم السلطان المعظم محمود غازان أن كتابه ورد، فقابلناه بما يليق بمثلنا لمثله من الإكرام، ورعينا له حق القصد فتلقيناه منا بسلام؛ وتأملناه تأمل المتفهم لدقائقه، المستكشف عن حقائقه؛ فألفيناه قد تضمن مؤاخذات بأمورهم بالمؤاخذة عليها أحرى، معتذراً في التعدي بما جعله ذنوباً لبعض طالب بها الكل، والله تعالى يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى.
أما حديث من أغار على ماردين من رجالة بلادنا المتطرفة وما نسبوه إليهم من الأمور البديعة، والآثام الشنيعة؛ وقولهم: إنهم أنفوا من تهجمهم، وغاروا من تقحمهم؛ واقتضت الحمية ركوبهم في مقابلة ذلك، فقد تلمحنا هذه الصورة التي أقاموها عذراً في العدوان، وجعلوها سبباً إلى ما ارتكبوه من طغيان؛ والجواب عن ذلك أن الغارات من الطرفين ولم يحصل من المهادنة والموادعة ما يكف يدنا الممتدة، ولا يفتر هممها المستعدة؛ وقد كان آباؤكم وأجدادكم على ما علمتم من الكفر والشقاق، وعدم المصافاة للإسلام والوفاق؛ ولم يزل ملك ماردين ورعيته منفذين ما يصدر من الأذى للبلاد والعباد عنهم، متولين كبر نكرهم؛ والله تعالى يقول: ومن يتولهم منكم فإنه منهم. وحيث جعلتم هذا ذنباً للحمية الجاهلية، وحاملاً على الانتصار الذي زعمتم أن همتكم به ملية؛ فقد كان هذا القصد الذي ادعيتموه يتم بالانتقام من أهل تلك الأطراف التي أوجب ذلك فعلها، والاقتصار على أخذ الثار ممن ثار، اتباعاً لقوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها لا ان تقصدوا الإسلام بالجموع الملفقة على اختلاف الأديان، وتطأوا البقاع الطاهرة بعبدة الصلبان؛ وتنتهكوا حرمة البيت المقدس الذي هو ثاني بيت الله الحرام، وشقيق مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ وإن احتججتم بأن زمام تلك الغارة بيدنا، وسبب تعديهم من سنتنا؛ فقد أوضحنا الجواب عن ذلك، وأن عدم الصلح والموادعة أوجب سلوك هذه المسالك.
وأما ما ادعوه من سلوك سنن المرسلين، واقتفاء آثار المتقدمين، في إنفاذ الرسل أولاً، فقد تلمحنا هذه الصورة، وفهمنا ما أوردوه من الآيات المسطورة؛ والجواب عن ذلك أن هؤلاء الرسل ما وصلوا إلينا إلا وقد دنت الخيام من الخيام، وناضلت السهام السهام، وشارف القوم، ولم يبق للقاء إلا يوم أو بعض يوم؛ وأشرعت الأسنة من الجانبين، ورأى كل خصمه رأي العين؛ وما نحن ممن لاحت له رغبة راغب فتشاغل عنها، ولا ممن يسالم فيقابل ذلك بجفوة النفار، والله تعالى يقول: وإن أجنحوا للسلم فاجنح لها. كيف والكتاب بعنوانه! وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما أضمر إنسان شيئاً إلا ظهر في صفحات وجهه وفلتات لسانه. ولو كان حضور هؤلاء الرسل والسيوف وادعة في أغمادها، والأسنة مستكنة في أعوادها؛ والسهام غير مفوقة، والأعنة غير مطلقة؛ لسمعنا خطابهم، وأعدنا جوابهم.
وأما ما أطلقوا به لسان قلمهم، وأبدوه من غليظ كلمهم؛ في قولهم: فصبرنا على تماديكم في غيكم، وإخلادكم إلى بغيكم؛ فأي صبر ممن أرسل عنانه إلى المكافحة، قبل إرسال رسل المصالحة؛ وجاس خلال الديار، قبل ما زعمه من الإعذار والإنذار؟ وإذا فكروا في هذه الأسباب، ونظروا ما صدر عنهم من خطاب، علموا العذر في تأخير الجواب، وما يتذكر إلا أولوا الألباب.
وأما ما تبجحوا به مما اعتقدوه من نصرة، وظنوه من أن الله جعل لهم على حزبه الغالب في كل كرة الكرة؛ فلو تأملوا ما ظنوه ربحاً لوجدوه هو الخسران المبين، ولو أنعموا النظر في ذلك لما كانوا به مفتخرين؛ ولتحققوا أن الذي اتفق لهم كان غرماً لا غنماً، وتدبروا معنى قوله تعالى: إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً. ولم يخف عنهم ما نالته السيوف الإسلامية منهم، وقد رأروا عزم من حضر من عساكرنا التي لو كانت مجتمعة عند اللقاء ما ظهر خبر عنهم؛ فإنا كنا في مفتتح ملكنا، ومبتدئ أمرنا، حللنا بالشام للنظر في أمور البلاد والعباد؛ فلما تحققنا خبركم، وقفونا أثركم؛ بادرنا نقد أديم الأرض سيراً، وأسرعنا لندفع عن المسلمين ضرراً وضيراً، ونؤدي من الجهاد السنة والفرض، ونعمل بقوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض. فاتفق اللقاء بمن حضر من عساكرنا المنصورة، وثوقاً بقوله تعالى: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة. وإلا فأكابركم يعلمون وقائع الجيوش الإسلامية التي كم وطئت موطئاً بغيظ الكفار فكتب لها عمل صالح، وسارت في سبيل الله ففتح عليها أبواب المناجح؛ وتعددت أيام نصرتها التي لو دققتم الفكر فيها لأزالت ما حصل عندكم من لبس، ولما قدرتم أن تنكروها وفي تعب من ينكر ضوء الشمس، وما زال الله نعم المولى ونعم النصير، وإذا راجعتموهم قصوا عليكم نبأ الاستظهار ولا ينبئنك مثل خبير؛ وما زالت تتفق الوقائع بين الملوك والحروب، وتجري المواقف التي هي بتقدير الله فلا فخر فيها للغالب ولا عار على المغلوب؛ وكم من ملك استظهر عليه ثم نصر، وعاوده التأييد فجبر بعدما كسر؛ خصوصاً ملوك هذا الدين، فإن الله تعالى تكفل لهم بحسن العقبى فقال تعالى: والعاقبة للمتقين.
وأما إقامتهم الحجة علينا، ونسبتهم التفريط إلينا؛ في كوننا لم نسير إليهم رسولاً عندما حلوا بدمشق، فنحن عندما وصلنا إلى الديار المصرية لم نزد على أن اعتدينا وجمعنا جيوشنا من كل مكان، وبذلنا في الاستعداد غاية الجهد والإمكان؛ وأنفقنا جزيل الأموال في العساكر والجحافل، ووثقنا بحسن الخلف لقوله تعالى: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل. ولما خرجنا من الديار المصرية، بلغنا خروج الملك من البلاد، لأمر حال بينه وبين المراد؛ فتوقفنا عن المسير توقف من أغنى رعبه عن حث الركاب، وتثبتنا تثبت الراسيات وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب. وبعثنا طائفة من العساكر لمقاتلة من أقام بالبلاد فما لاح لنا منهم بارق ولا ظهر، وتقدمت فتخطفت من حمله على النأخر الغرر، ووصلت إلى الفرات فما وقفت للقوم على أثر.
وأما قولهم: إننا ألقينا في قلوب العساكر والعوام أنهم فيما بعد يتلقونا على حلب أو الفرات، وأنهم جمعوا ورحلوا إلى الفرات وإلى حلب مرتقبين؛ فالجواب عن ذلك أنهم حين بلغنا حركتهم جزمنا، وعلى لقائهم عزمنا؛ وخرجنا وخرج أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ابن عم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الواجب الطاعة على كل مسلم، المفترض المبايعة والمتابعة على كل منازع ومسلم؛ طائعين لله ولرسوله في أداء مفترض الجهاد، باذلين في القيام بما أمرنا الله تعالى غاية الاجتهاد؛ عالمين بأنه لا يتم أمر دين ولا دنيا إلا بمشايعته، ومن والاه فقد حفظه الله تعالى وتولاه، ومن عانده أو عاند من أقامه فقد أذله الله؛ فحين وصلنا إلى البلاد الشامية تقدمت عساكرنا تملأ السهل والجبل، وتبلغ بقوة الله تعالى في النصر الرجاء والأمل؛ ووصلت أوائلها إلى أطراف حماة وتلك النواحي فلم يقدم أحد منهم عليها، ولا جسر أن يمد حتى ولا اطرف إليها؛ فلم نزل مقيمين حتى بلغنا رجوع الملك إلى البلاد، وإخلافه موعد اللقاء والله لا يخلف الميعاد؛ فعدنا لاستعداد جيوشنا التي لم تزل تندفع في طاعتنا اندفاع السيل، عاملين بقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}.
وأما ما جعلوه عذراً في الإقامة بأطراف البلاد وعدم الإقدام عليها، وأنهم لو فعلوا ذلك ودخلوا بجيوشهم ربما أخرب البلاد مرورها، وبإقامتهم فسدت أمورها؛ فقد فهم هذا المقصود، ومتى ألفت العباد والبلاد منهم هذا الإشفاق؟ ومتى اتصفت جيوشهم بهذه الأخلاق؟ وها آثارهم موجودة على ملك آل سلجوق وما تعرضوا لدار ولا جار، ولا عفوا أثراً من الآثار؟ ولا حصل لمسلم منهم ضرر، ولا أوذي في ورد ولا صدر؛ وكان أحدهم يشتري قوته بدرهمه وديناره، ويأبى أن تمتد إلى أحد من المسلمين يد إضراره؛ هذه سنة أهل الإسلام، وفعل منن يريد لملكه الدوام.
وأما ما أرعدوا به وأبرقوا، وأرسلوا به عنان قلمهم وأطلقوا؛ وما أبدوا من الاهتمام بجمع عساكرهم وتهيئة المجانيق إلى غير ذلك مما ذكره من التهويل، فالله تعالى يقول: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.
وأما قولهم: وإلا فدماء المسلمين مطلولة، فما كان أغناهم عن هذا الخطاب، وأولاهم بأن لا يصدر إليهم عن ذلك جواب؛ ومن قصد الصلح والإصلاح، كيف يقول هذا القول الذي عليه فيه من جهة الله تعالى ومن جهة رسوله أي جناح؟ وكيف يضمر هذه النية، ويتبجج بهذه الطوية؟ ولم يخف مواقع زلل هذا القول وخلله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: نية المرء أبلغ من عمله وبأي طريق تهدر دماء المسلمين التي من تعرض إليها يكون الله له في الدنيا والآخرة مطالباً وغريماً، ومؤاخذاً بقوله تعالى: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً؟ وإذا كان الأمر كذلك فالبشرى لأهل الإسلام بما نحن عليه من الهمم المصروفة إلى الاستعداد، وجمع العساكر التي تكون لها الملائكة الكرام إن شاء الله تعالى من الأنجاد؛ والاستكثار من الجيوش الإسلامية المتوفرة العدد، المتكاثرة المدد؛ الموعودة بالنصر الذي يحفها في الظعن والإقامة، الواثقة به من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على عدوهم إلى يوم القيامة». المبلغة في نصر دين الله آمالاً، المستعدة لإجابة داعي الله إذا قال: انفروا خفافاً وثقالاً.
وأما رسلهم فلان وفلان فقد وصلوا إلينا، ووفدوا علينا؛ وأكرمنا وفادتهم، وغزرنا لأجل مرسلهم من الإقبال مأدتهم، وسمعنا خطابهم، وأعدنا عليهم جوابهم؛ هذا مع كوننا لم يخف علينا انحطاط قدرهم، ولا ضعف أمرهم؛ وأنهم ما دفعوا لأفواه الخطوب، إلا لما ارتكبوه من ذنوب؛ وما كان ينبغي أن يرسل مثل هؤلاء لمثلنا من مثله، ولا ينتدب لمثل هذا الأمر المهم إلا أن يجمع على فصل خطابه وفضله.
وأما ما التمسوه من الهدايا والتحف، فلو قدموا من هداياهم حسنة لعوضناهم بأحسن منها، ولو أتحفونا بتحفة، لقابلناها بأجل عوض عنها. وقد كان عمهم الملك أحمد راسل والدنا الشهيد، وناجى بالهدايا والتحف من مكان بعيد؛ وتقرب إلى قلبه بحسن الخطاب، فأحسن له الجواب؛ وأتى البيوت من أبوابها بحسن الأدب، وتمسك من الملاطفة بأقوى سبب.
و الآن فحيث انتهت الأجوبة إلى حدها، وأدركت الأنفة من مقابلة ذلك الخطاب غاية قصدها؛ فنقول: إذا جنح الملك للسلم جنحنا لها، وإذا دخل في الملة المحمدية متمثلاً ما أمر الله تعالى به مجتنباً ما عنه نهى، وانتظم في سلك الإيمان وتمسك بموجباته تمسك المتشرف بدخوله فيه لا المنان، وتجنب التشبه بمن قال الله تعالى في حقهم: قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان. وطابق فعله قوله، ورفض الكفار الذين لا يحل له أن يتخذهم حوله؛ وأرسل إلينا رسولاً من جهته يرتل آيات الصلح ترتيلاً، ويروق خطابه وجوابه حتى يتلو كل أحد عند عوده: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً. صارت حجتنا وحجته مركبة على من خالف ذلك، وكلمتنا وكلمته قامعة أهل الشرك في سائر الممالك؛ ومظافرتنا له تكسب الكافرين هوانا، والشاهد لمصافاتنا مفاد قوله تعالى: واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا. وينتظم إن شاء الله تعالى شمل المصالح أحسن انتظام، ويحصل التمسك من الموادعة والمظافرة بعروة لا انفصال لها ولا انفصام، وتستقر قواعد الصلح على ما يرضي الله تعالى ورسوله عليه أفضل السلام والسلام.
الحالة الثانية: ما كان عليه رسم المكاتبة في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون إلى أبي سعيد بهادرخان بن خدابندا آخر ملوك بني هولاكو، ملك إيران:
قال في التعريف: وهو كتاب يكتب في قطع البغدادي الكامل؛ يبتدأ فيه بعد البسملة وسطر من الخطبة الغراء المكتتبة بالذهب المزمك، بألقاب سلطاننا على عادة الطغراوات؛ ثم تكمل الخطبة وتفتتح ببعدية إلى أن تساق الألقاب، وهي: الحضرة الشريفة، العالية، السلطانية، الأعظمية الشاهنشاهية، الأوحدية، الأخوية، القانية، الفلانية من غير أن يخلط فيها الملكية لهوانها عليهم وانحطاطها لديهم ثم يدعى له بالأدعية المعظمة المفخمة الملوكية: من إعزاز السلطان ونصر الأعوان، وخلود الأيام، ونشر الأعلام، وتأييد الجنود، وتكثير الوفود. وغير ذلك مما يجري هذا المجرى. ثم يقال ما فيه التلويح والتصريح بدوام الوداد، وصفاء الاعتقاد، ووصف الأشواق، وكثرة الأتواق، وما هو من هذه النسبة. ثم يؤتى على المقاصد، ويختم بدعاء جليل، وتستعرض المراسيم والخدم، ويوصف التطلع إليها، ويظهر التهافت عليها.
وهذا الكتاب تكتب جميع خطبته وطغراه وعنوانه بالذهب المزمك، وكذلك كل ما وقع في أثنائه من اسم جليل، وكل ذي شأن نبيل: من اسم الله تعالى، أو لنبينا صلى الله عليه وسلم، أو لأحد من الأنبياء، أو الملائكة عليهم السلام، أو ذكر دين الإسلام، أو ذكر سلطاننا، أو السلطان المكتوب إليه، أو ما هو متعلق بهما. مثاله عندنا وعندكم ولنا ولكم وكتابنا وكتابكم. كل هذا يكتب بالذهب؛ وما سواه يكتب بالسواد.
فأما العنوان، فهو بهذه الألقاب إلى أن ينتهي إلى اللقب الخاص، ثم يدعى له بدعوة أو اثنتين، نحو: أعز الله سلطانها، وأعلى شانها أو نحو ذلك. ثم يسمى اسم السلطان المكتوب إليه؛ ثم يقال: خان كما كنا نكتب، فنقول: بو سعيد بهادرخان فقط. ويطمغ بالذهب بطمغات عليها ألقاب سلطاننا، تكون على الأوصال، يبدأ بالطمغة على اليمين في أول وصل، ثم على اليسار في ثاني وصل، ثم على هذا النمط إلى أن ينتهي في الآخر إلى اليمين. ولا يطمغ على الطرة البيضاء. والكاتب يخلي لمواضع الطمغة مواضع الكتابة، تارة يمنة، وتارة يسرة.
وأوضح ذلك في التثقيف: وبينه، فقال: والمكاتبة إليه في عرض البغدادي الكامل، والطرة ثلاثة أوصال، والبسملة ذهب مزمك بألفات طوال بالمسطرة بخط الذهب؛ ثم الخطبة، وأولها الحمد لله والسطر الذي يلي البسملة الشريفة وثانيه من أوائل الورق زائدان عن بقية السطور التي من أول السطر الثالث إلى آخر الكتاب. وبين هذين السطرين المذكورين، (وهو موضع بيت العلامة الشريفة) طرة ذهب بالألقاب الشريفة؛ ثم بعد هذين السطرين الملاصقين للطرة المذكورة بقية السطور بهامش جيد في يمين الورق على العادة. وجميع السطور مكملة إلى آخر الورق، لا يخلى فيها للطمغة مكان. وبعد الخطبة ما يناسب الابتداء إن كان، أو الجواب إلى أن يتصل الكلام بالألقاب، وهي: الحضرة، الشريفة، العالية، السلطانية، الأعظمية، العالمية، العادلية، الأكملية، القانية، الشاهنشاهية، الولدية، العزيزية، الملكية، الفلانية. ثم الدعاء. وفي أثناء خطابه الحضرة الشريفة تارة، وتارة الحضرة العالية والدعاء في أوساطه نحو زيدت عظمته، ودامت معدلته، وأعلى الله مقامه، وأعز الله شانه. والخطبة جميعها بالذهب المزمك. وبعدها بالأسود خلا ذكر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ما أضيف إليهما، أو ما يعظم ذكره: كالحق والعدل وأمثالهما، أو كل لقب أو نعت، أو كلمة مضافة إلى المكتوب عنه أو المكتوب إليه، أو ضمير فيهما، فإنه بالذهب. والعنوان بألقابه كاملة، وفي آخرها الدعاء له من غير توقف.
قال: وكان قد استقر من أمر العلامة الشريفة أن يكتب على جانب يمين السطرين: الثاني والثالث، وهو مما يلي بيت العلامة المشتاق محمد. ثم قال: ورأيت بخط القاضي المرحوم ناصر الدين بن النشائي أن ذلك نظير الكتاب الوارد منه في رجب سنة تسع وعشرين وسبعمائة. ثم قال: وقد ذكر في التعريف ثلاثة أمور زائدة....... التنبيه عليها.
أحدها- أنه يذكر تعريفه في العنوان. فيكتب بعد ذكر الاسم خان. فيقال: بو سعيد بهادرخان.
ثانيهما- أنه تستعمل الطمغات على الأوصال.
ثالثهما- أنه لا يكتب في ألقابه الملكية. وذكر أنه لم يكتب لأحد بهذه المكاتبة بعد السلطان أبي سعيد، خلا ما ذكر القاضي ناصر الدين بن النشائي أنه كتب نظير ذلك بعد أبي سعيد لطغاي تمرخان. قال: ولو كتب بالمغلية كتب في القطع المذكور. أما الملطفات، ففي قطع الثلث.
وهذه نسخة مكاتبة كتب بها المقر الشهابي بن فضل الله عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطان أبي سعيد بهادرخان المقدم ذكره، وهي: الحمد لله الذي جعلنا بنعمته إخوانا، وجمعنا على طاعته أصولاً لا تتفرق أغصانا؛ نحمده على ما أولانا؛ ونشكره على ما ولانا، ونرغب إليه في مزيد ألطافه التي شملت أقصانا وأدنانا؛ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة كالشمس لا تدع في الأرض مكانا؛ ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي شيد بنا لشريعته أركانا، وشد بعضنا ببعض لنكون كما شهبنا به بناناً أو بنيانا؛ صلى الله عليه وعلى آله صلاة لا تتوانى، ورضي الله عن أصحابه والتابعين لهم بإحسان وزادهم إحسانا، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: فإن من أعظم المبهجتا لدينا، المنهجات لطريق السرور إلينا، الملهجات بوصف أكرم وارد علينا، هو الكتاب الشريف، بل السحاب المطيف، بل البحر الذي يقذف درراً، ويقص عن السحاب أثراً، ويرفع سرراً، ويطلع قمراً؛ ويطول أوضاحاً وغرراً، ويحدث عن العجائب خبراً؛ بل ينشر الروض حبراً، ويهب الرياح سحراً، ويبرق ذهبه المموه آصالاً وبكراً؛ الصادر عن الحضرة الشريفة العالية السلطانية، الأعظمية، العالمية، العادلية، الشاهنشاهية، الأخوية، القانية، زادها الله شرفاً، وأدام بها تحفا، وصاغ بها لكل سمع شنفا، وأيدها بزائد مزيده حتى تقول: حسبي وكفى؛ فإنه وصل صحبة المجلس السامي الأمير، الكبير، المقرب، المجتبى، المرتضى، المختار، شرف الدين، مجد الإسلام، زين الأنام، جمال المقربين، مرتضى الملوك والسلاطين، الحاج أحمد الأشقر، والشوق إليه شديد، والتطلع إليه كمثل العيد؛ فقربناه إلينا نجياً، وتلقينا منه مهدياً؛ وكأن السماء ألقت منه حلياً، أو أقلت كوكباً درياً، أو مدت من المجرة درجا، وعطفت من مهندات البروق خلجا؛ وقدت من سواد القلوب شطر كل سطر فيها، وأغارت مقلة كل ريم قام بسواد ناظره يفديها؛ وسرحنا منه الحدق في حدائق، ونفحنا به للحقائب حقائق، واستطلعنا به شموس الافتقاد، واطلعنا منه على نفوس نفائس الوداد؛ وصادف منا قلباً صادياً إلى ما يروق من أخباره، وشوقاً إلى ما يهب من نسيم دياره؛ وتطلعنا إلى من يرد من رسله الكرام، ويقص علينا ما لا يستقصى من مواقع الغمام؛ وعلمنا منه ومما ذكره المقرب الحاج شرف الدين أحمد ما للحضرة الشريفة عليه من نعمة يلتحف بملابسها، ويقتطف من مغارسها؛ وتجري في السيف رونقاً، وتزين بالكواكب أفقاً، وتجر على الكثبان من الشموس رداء مخلقاً. وأحضرنا الحاج شرف الدين أحمد بين أيدينا الشريفة، وشملناه بحسن ملاحظتنا التي زادت تشريفه؛ وكان حضوره وركابنا الشريف بهيجان الصيد المحمود، ونحن نلهج بذكره عند انتهاز كل فرصة في الصيود؛ وما حصلنا فيه على لذة ظفر إلا وتمنينا أن يكون له فيها مشاركة شهود، أو أن يكون حاضراً يرى كيف يسهل الله لنا بلوغ كل مقصود؛ وخرج معنا إلى المصايد، وتفرج على الصائد؛ ورأى ما حف بموكبنا المنصور من ذوات الوبر والجناح، وما سخر لنا من جياد الخيال من الرياح؛ فشاهد ما أوتينا من الملك السليماني في سرعة السير، واختلاف ما جم لنا من الإنس والوحش والطير؛ واستغرقت أوقاتنا الشريفة في السؤال عن مزاجه الكريم، وما هو عليه من السرور المستديم؛ والتأييد الذي انقلب به أولياؤه بنعمة من الله وفضل لم يمسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم؛ وتجددت المسرات، بهذه البشائر المسرات؛ وأضفنا هذه النعمة إلى ما نحمد الله عليه مما أدينا به من النصر والظفر والتأييد، والنعم التي توالت إلينا ونحن نرجو المزيد؛ ونضاعف الحمد والشكر لله على هذه المواهب التي أطافت بنا بطاقاتها الثمينة، وأنارت في آفاقنا أقمارها المبينة؛ وشملت ملوك الإسلام نعمها من كل جانب، وأشرقت شموسها حتى ملأت بأنوارها المشارق والمغارب.
وأما ما أتحفت به من البلكات الشريفة فقد وصلت، وتقبلت وقبلت؛ وأكرمت لأن مهديها كريم، وأعظمت لأنها تحفة من عظيم؛ وأثنينا عليه بما طاب، وشكر بحرنا الزاخر جود أخيه السحاب.
وأما الإشارة العالية إلى تقاضي تجهيزة من الملاكمين والسواقين فقد رسمنا بالانتهاء إليه، لأنه لا فرق بيننا وبين أخينا فيما يخص مراسمنا جميعاً عليه؛ وقد جهز من الملاكمين والطين المختوم ما أمكن الآن، ومنه ما كنا رسمنا باستعماله من البلكات باسمه الشريف وتأخر؛ فلما فرغ جهز معه، وبعد هذا نجهز من يتوجه إلى حضرته العالية ليجدد عهداً، ويؤدي إليه وداً؛ وما يتأخر إلا ريثما تنجلي السحب المتوالية، ويمكن التوصل سالماً إلى حضرته العالية.
وأما غير هذا: فهو أن الحاج أحمد أحضر إلينا ورقة كريمة، بل درة يتيمية؛ بخط يد الحضرة الشريفة فأعجبنا بها، ووجدناها في غاية الحسن التي لا يعد زهر الرياض لها مشبها؛ وما رأينا مثل ما كتب فيها، كأن السماء قد نظمت في سطورها النجوم الزهر من دراريها؛ فأكرم بيد كتبت سطوراً اعترف بها الرمح للقلم! واستمد السحاب من طروسها الكرم! وجرت بجامد ذهب وسائل دم، وتنافست على إثباتها صحائفه وأقلامه ودويه والجور والبروق والديم؛ وطلعت منها تباشير النجاح، وتحاسد عليها مسك الليل وكافور الصباح؛ واتفقت على معنى واحد وقد تنوعت قسماً، وأشرقت فتمنت السماء أن تكون لها صحيفة والبرق قلماً؛ فأرخصت قدر ياقوت في التقليب، وحسنت بمحاسنها هجران حبيب؛ لقد أوتيت من الخط غاية الكمال، وبسطت يد ابن هلال فيه عن فم ابن هلال؛ فأما الولي فإنه من أوليائها، وأنواؤه مما فاض من إنائها؛ طالما حدق إليه أبو علي فاختطف برقه أباه مقله، وفطن ابن أسد أنه لو أدركه أبوه لنسي شبله؛ فسبحان من صرف في يمينه القلم بل الأقاليم، ووهبه من أفضل كل شيء ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وقد أعيد المقرب شرف الدين أحمد، وحمل من المشافهات الشريفة ما تفض على أخينا عقوده، وتفاض بروده؛ والحضرة الشريفة لا نقطع أخبارها عنا التي تسر بأنبائه، وتسير بنجوم سمائه؛ لا زالت مناقبه مسموعة، والقلوب على ما يجمع كلمة الإيمان مجموعة. إن شاء الله تعالى.
تنبيه- أما الملطفات التي كانت تكتب إلى هذا القان، فقد ذكر في التثقيف: أنها في قطع الثلث، وكذا ما يكتب به بالمغلبي، فإنه يكون في القطع المذكور.
الجملة الثانية في المكاتبات إلى من ملك توريز وبغداد بغد موت أبي سعيد:
قد تقدم أنه ملك توريز وبغداد بعد السلطان أبي سعيد موسى خان ثم محمد بن عبدجي، ثم الشيخ حسن الكبير، ثم ابنه الشيخ أويس، ثم ابنه حسن، ثم أخوه أحمد. ومنه انتزعها تمرلنك. وذكر في التثقيف: أنه ملك بعد أبي سعيد أرفاخان، ثم موسى خان، ثم طغاي تمرخان؛ بعد أن ذكر أنه لم يكتب إلى أحد بعد أبي سعيد بالمكاتبة المتقدمة. ثم قال: ورأيت بخط القاضي ناصر الدين بن النشائي أن مكاتبة طغاي تمرخان كانت نظير مكاتبة أبي سعيد، ثم قال: وهذا يدل على أنه لم يكاتب بذلك بعد أبي سعيد غير طغاي تمرخان المذكور.
قلت: وقد وقفت على مكاتبة عن الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى موسى خان المقدم ذكره من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله، فيما ذكره صاحب الدر الملتقط جواباً عن كتاب ورد منه يذكر فيه النصرة على عدو له؛ والقائم بتدبير دولته يومئذ علي باشا. بدأ فيها بعد الافتتاح بآية من القرآن الكريم في معنى النصر بقوله: إلى الحضرة الشريفة إلى آخر الألقاب المناسبة من أخيه ومحبه؛ ثم خطبة بعد ذلك مفتتحة بـ الحمد لله. ثم وبعد، فقد ورد الكتاب الشريف. والخطاب بـ الحضرة الشريفة. والاختتام بالدعاء. ولا خفاء في أن هذه نحو المكاتبة إلى أبي سعيد، لكني لم اقف على مقدار قطع الورق فيها، ولا صورة الكتاب. وهذه نسختها.
وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
إلى الحضرة الشريفة العالية، السلطانية، الأعظمية، العالمية، العادلية، الأوحدية، الشاهنشاهية، القانية، الأخوية، الأخ العزيز، الكبير، المعظم، موسى خان، أعز الله سلطانه، وثبت بسعادة ملكه أوطانه. من أخيه ومحبه، المخلص في حبه، الصادق المودة له في بعده وقربه.
الحمد لله الذي أيد الإسلام بنصره، وضيق على أعدائه مجال حصره، وجدد بتأييده في زمانه ما تتحلى به أعطاف عصره. نحمده عن الدين الحنيف على نصرة أضاء لها الوجود بأسره، وأوقعت كل خارجي على الدين والملك في قبضة أسره؛ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يخلص قائلها غاية اجتهاده، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تستقل ببشائرها أعباء عباده؛ وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد فقد ورد الكتاب الشريف من الحضرة الشريفة العالية، السلطانية، القانية، أخينا وولدنا العزيز، المؤيد بالنصر على الأعداء والفتح الوجيز؛ لا زالت دولته الشريفة دائمة الإقبال، متزيدة تزيد الهلال، على يد المجلسين الساميين، الأميريين، الكبيرين، عضدي الملوك والسلاطين: دلنجي، وكراي أدام الله تعالى عزتهما- بالبشائر بنصرة الإسلام، وتأييد أخينا على عدوه الخارجي على الدين والملك. وحمدنا الله تعالى على هذه النصرة، وتضاعفت بها المسرة؛ ونحن كنا خارجين بجميع العساكر والجيوش المنصورة الإسلامية، لنتساعد كلنا على نصرة الإسلام. وما تأخرنا إلا لما جاءت إلينا ممارى الأخبار وما كنا تحققناهم ثم تحققنا بحمد الله تعالى هذه الأخبار؛ وضربنا لها البشائر في سائر الأقطار، وعرفنا بها عناية الله تعالى بأخذ المسلمين بنواصي الكفار؛ وقيام الجناب الكريم العالي الأمير الكبير النوين العادل المعظم علي باشا، أعز الله تعالى نصرته في إعادة الحق إلى أهله، وصبره على ما سبق به كل أحد إلى جميل فعله، واجتهاده في هذا الأمر الاجتهاد الذي ما كان يطلب إلا من مثله؛ وكذلك الجنابات العالية الأمراء النوينات الأكابر، زيدت سعادتهم! فإنهم سارعوا إلى ما كان يجب ويتعين عليهم في خدمة سلطانه، ومن هو أحق بهم وأولى من عظيم عظم قانهم؛ وما من الأمير النوين العادل علي باشا وبقية الأمراء الأكابر إلا من قام بما كان عليه من العهود، وبذل اجتهاده حتى حصل بحمد الله المقصود؛ وما قصروا في قيامهم حتى تسلم المستحق حقه وميراثه وما هو أحق به وأولى. وهم- جزاهم الله الخير- قد عملوا ما يجب عليهم، وبقي ما يجب على الحضرة الشريفة من الإحسان إليهم.
وأما قول الحضرة الشريفة: إنه مثل ولدنا فهو هكذا مثل الولد وأعز من الولد، وكل أحد منا لأخيه في الاتفاق على المصالح الإسلامية عضد ويد، وذخر وسند؛ وقد سبق من تآلف القلوب ما اشتدت به الآن أواخيه، وأضحى له منا شفقة الوالد على الولد وتوقير الأخ لأخيه؛ وقد أعدنا رسله الكرام وحملناهم مشافهة ووصية للحضرة الشريفة في أمور تقتضيها مصلحته، فإنه عندنا أعز من الولد. وما القصد إلا الاتفاق على مصالح الإسلام، وما فيه نظام كلمة الوفاق والوئام، فيديم المواصلة بكتبه وأخباره السارة، والله تعالى يديم مساره ويضاعف مباره؛ إن شاء الله تعالى.
ولم أقف لهذه المكاتبة على قطع ورق، والظاهر أنها في قطع النصف لما سيأتي أنه الذي عليه الحال في مكاتبة صاحب بغداد وتوريز، فيما بعد إن شاء الله تعالى.
واعلم أن صاحب التثقيف قد ذكر أن المكاتبة إلى الشيخ أويس: صاحب بغداد وتوريز، وابنه حسن بعده في ورق قطع النصف. ورسمها: أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي، الكبيري، السلطاني، العالمي، العادلي، المجاهدي، المؤيدي، المرابطي، المنصوري، الملكي، الفلاني بلقب السلطنة الفلاني بلقبه الخاص. والدعاء بما يناسبه أصدرناها إلى المقام الشريف تهدي وتبدي والقصد من المقام الشريف. ويختم بدعاء يناسب، مثل: أعز الله أنصاره ونحو ذلك. ومخاطبته بـ المقام الشريف. والعنوان المقام الشريف إلى آخر الألقاب المذكورة. والدعاء: أعز الله تعالى أنصاره. وتعريفه: فلان بهادرخان مثل أن يقال: الشيخ حسن بهادرخان. والعلامة إليه أخوه. قال في التثقيف: وكان الشيخ أويس المذكور عند استقراره بتوريز وبغداد يكتب له: المقام العالي، ثم كتب له بعد ذلك المقام الشريف.
وهذه نسخة مكاتبة كتب بها إلى الشيخ أويس المقدم ذكره، جواباً عن كتاب ورد منه، من إنشاء القاضي تقي الدين ابن ناظر الجيش، حين كان يكتب إليه المقام العالي لابتداء أمره، على ما تقدم، وهي:
أعز الله تعالى أنصار المقام العالي، وإلى آخر ألقابه، ولا زال الملك زاهراً زاهياً بشرف سلطانه، والفلك يجري بإزاز قدره، وإحراز نصره، مدى زمانه؛ والفتك منه بالأعداء يسر الأولياء من أهل مودته وإخوانه، وسلك جواهر عقد ولائه منظماً من الإخلاص بجمانه؛ ولا برح مؤيداً بأنصار الإسلام وأعوانه، مجدداً سعده الذي يبلغه جميل أوطاره في جميع أوطانه.
أصدرناه إلى المقام العالي تصف ما لدينا من المحبة التي ظهر دليلها بواضح برهانه، وتبث إلينا مكنون المودة التي تغنى عن صريح القول تبيانه؛ وتبدي لعلمه الكريم أن كتبه الكريم ورد على يد فلان رسوله فأقبلنا عليه، وصرفنا وجه الكرامه إليه؛ وعلمنا ما تضمنه من محبته وموالاته، ومخالصته ومصافاته؛ وما اشتمل عليه ضميره من صحيح الوداد، وصريح الاتحاد؛ وجميل الاعتقاد، وجزيل المخالصة التي يتم بها الأمل والمراد. وأن المقام العالي جهز رسوله المشار إليه ليوضح إلينا ما هو عليه من ذلك، وينهي إلينا أسباب الائتلاف التي عمرت أرجاء الجهتين هنا وهنالك؛ ويبدي ما تحمله عنه من المشافهات، وتفهمه من الرسائل والإشارات؛ وقد أحطنا علماً بذلك ووصل رسوله المذكور، وتمثل بمواقف سلطاننا المنصور؛ وشمله إقبالنا الشريف، وإنعامنا المطيف؛ وسمعنا جميع كلامه، وما تحمله من المشافهة الكريمة من عالي مقامه؛ وشكرنا محبة المقام العالي ووده الجميل، وأثنينا على موالاته التي لا نميد عنها ولا نميل، وابتهجنا بسلامة مقامه الجليل. وقد أعدنا فلاناً رسوله المذكور بهذا الجواب الشريف، إلى المقام العالي أعز الله أنصاره، فيتحف بمكاتباته ومهماته، والله تعالى يمده بالتأييد في حركاته وسكناته، ويعز نصره ويزيد في حياته.
أما المنفرد بتوريز خاصة، فقد ذكر في التثقيف: أن المكاتبة إلى الأشرف ابن علاء الدين تمرتاش الذي كان قد وثب على تبريز خاصة فملكها، في قطع الثلث بقلم التوقيعات: ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري الكبيري وبقية الألقاب والنعوت، ومنها النويني. ثم الدعاء. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي وتوضح والعلامة أخوه. وتعريفه: الأشرف بن تمرتاش.
ثم ذكر أن أخي جق الذي وثب عليه وقتله واستولى على تبريز بعده استقرت مكاتبته كذلك، وأنه كان يكتب في تعريفه أخي لا غير. ثم قال: وقد ماتا وبطل ذلك.
أبو بكر بن خواجا على شاه وزير صاحب تبريز الاسم والسامي وتعريفه أبو بكر ابن الخواجا المرحوم علي شاه. قال في التثقيف: ولم أعلم وزر في زمن من من المتولين.
عمر بك أحد أمراء الأشرف بن تمرتاش صاحب تبريز في قطع الثلث، الدعاء، والعالي والعلامة أخوه وتعريفه: عمر بك. قال في التثقيف: وهذا ممن بطل حكه بزوال مخدومه.
الجملة الثالثة في رسم المكاتبة إلى من انطوت عليه مملكة إيران، ممن جرت عادته بالمكاتبة عن الأبواب السلطانية في أيام السلطان أبي سعيد فمن بعده:
وهم ثمانية أصناف:
الصنف الأول: كفال المملكة بحضرة القان، وهم على ضربين:
الضرب الأول: كفال المملكة بالحضرة في زمن القانات العظام كأبي سعيد ومن قبله من ملوكهم حين كانت المملكة على أتم الأبهة وأعلى الترتيب قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثالثة أن القائم بتدبير العسكر لهذه الدولة حين كانت قائمة على نمط القانية المتقدم إلى آخر زمن أبي سعيد أربعة أمراء، يعبر عنهم بأمراء الأولس، ويعبر عن أكبرهم ببكلاري بك بمعنى أمير الأمراء. وربما أطلق عليه أمير الألوس أيضاً. والقائم بتدبير الأمور العامة هو الوزير.
فأما الأمراء المذكورون، فقد كان كل من الأمراء الأربعة والوزير يكاتب عن الأبواب الشريفة السلطانية. وقد ذكر التعريف: أن المكاتبة إلى بكلاري بك في قطع النصف: أعز الله تعالى نصر الجناب الكريم، وأنه يقال لكل من الأربعة النويني. ثم قال: ومثل هذا مكاتبة أرتنا بالروم، وأمير التومان بديار بكر: من سوناي وبنيه وكذلك سائر الأمراء النوينات: وهم أمراء التوامين.
والذي ذكره في التثقيف: أن المكاتبة إلى الشيخ حسن الكبير أمير الألوس كانت على ما استقر عليه الحال إلى حين وفاته ببغداد في قطع الثلث بقلم التوقيعات: أعز الله تعالى أنصار الجناب الكريم، العالي، الأميري، الكبيري، العالمي، العادلي، المؤيدي، الزعيمي، العوني، الغياثي، المثاغري، المرابطي، الممهدي، المشيدي، الظهيري، النويني، الفلاني: عون الإسلام والمسلمين، سيد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحدين؛ ممهد الدول، عماد الملة، عون الأمة؛ كافي الدولة القانية، كافل المملكة الشرقية؛ آمر التوامين، أمير الألوس، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين. والدعاء أربع قرائن أو أكثر: أصدرناها إلى الجناب الكريم وتبدي والقصد من الجناب الكريم. والعلامة أخوه. وتعريفه: الشيخ حسن ألوس بك.
قال في التثقيف: ولما توفي الشيخ حسن المذكور إلى رحمة الله تعالى لم يقم غيره مكانه فيما أظن، ولا كوتب أحد بعده بهذه المكاتبة. قال: والنويني في ألقاب هؤلاء بدل الكافلي في ألقاب النواب، يعني بالمملكة المصرية والشامية. ثم قال: وهو نعت يستعمل دائماً لأهل تلك البلاد، ولا يستعمل الكافلي أصلاً. وهذا عجيب منه! فقد أثبت هو الكافلي في الألقاب التي أوردها في المكاتبة إلى الشيخ حسن الكبير.
وأما الوزير بهذه المملكة فقد ذكر في التعريف: أن رسم المكاتبة غليه في قطع الثلث ضاعف الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري الوزيري على عادة المكاتبات إلى الوزراء بألقاب الوزارة. قال: فإن لم تكن له إمرة، فيقال له الوزيري ولا يقال له الصاحبي لهوانها لديهم. ولم يتعرض في التثقيف: إلى المكاتبة إلى وزير هذه المملكة، ولا إلى الأمراء الثلاثة الباقين من أمراء الألوس، بل عدل عن ذلك إلى المكاتبة إلى الوزير ببلاد أزبك. سيأتي ذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى.
قلت: وقد محيت رسوم تلك المملكة، وعفت آثارها بزوال ترتيب المملكة بموت السلطان أبي سعيد: آخر ملوك بني جنكزخان بهذه المملكة. وإنما ذكرنا ذلك حفظاً لما كان الأمر عليه: لاحتمال طرو مثل ذلك فيما بعد، فينسج ما يأتي على منوال ما مضى، ويجرى في المستقبل على منهاج الماضي؛ فالأمور ترتفع ثم تنخفض، وربما انخفضت ثم ارتفعت. والله تعالى يقول: وتلك الأيام ندأولها بين الناس.
الضرب الثاني: كفال المملكة بالحضرة بعد موت أبي سعيد:
قد ذكر في التثقيف: منهم جماعة: منهم محمد الكازروني وزكريا وزيرا الشيخ أويس. وقد ذكر أن رسم المكاتبة إلى كل منهما في قطع العادة صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، الأجلي، الكبيري، الأوحدي، المقدمي، المنتخبي، الفلاني؛ مجد الإسلام، بهاء الأنام؛ شرف الرؤساء، أوحد الأعيان؛ صفوة الملوك والسلاطين. ثم الدعاء. والعلامة الاسم الشريف وتعريفه: فلان وزير الشيخ أويس بهادرخان.
ومنهم: الطواشي مرجان، نائب القان أويس ببغداد، ولقبه أمين الدين بالس. ورسم المكاتبة إليه: والده والسامي بالياء. وتعريفه: خواجا مرجان.
ومنهم: محمد فلتان، نائب الشيخ أويس أيضاً. وذكر أن رسم المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى مرجان. والعلامة الاسم الشريف. وتعريفه: فلتان نائب الشيخ أويس.
قلت: فإن اتفق أن أقيم لصاحب بغداد: كأحمد بن أويس ومن في معناه مثل هؤلاء، كانت المكاتبة إلى كل منهم نظير مثله من المذكورين بحسب ما يقتضيه الحال.
الصنف الثاني ممن جرت العادة بمكاتبته بمملكة إيران عن الأبواب السلطانية: صغار الملوك المنفردين ببعض البلدان والحكام بها ممن هو بمملكة إيران:
قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أن مملكة إيران تشتمل على عدة من الأقاليم داخلة في حدودها، منتظمة في سلكها. وقد ذكر في التعريف جملة من المكاتبات عن الأبواب السلطانية إلى بعض هؤلاء الملوك. وخالفة في التثقيف: في بعض المواضع وزاد عليه عدة مكاتبات. وها أنا أذكر ما ذكراه من ذلك، وأزيد ما اتفق زيادته مميزاً لكل إقليم من أقاليم هذه المملكة بمن فيه من الملوك والحكام ومن جرى مجراهم.
فممن جرت العادة بمكاتبته من الملوك والحكام بالجزيرة الفراتية، مما بين دجلة والفرات من ديار بكر وربيعة ومضر وغيرها على ما تقدم ذكره في المسالك والممالك في المقالة الثالثة.
صاحب ماردين- وقد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة ذات قلعة حصينة بديار بكر من هذه الجزيرة، وأنها بيد بقايا بني أرتق المستقلين بملكها من قديم الزمان وإلى الآن.
ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في التعريف: أعز الله تعالى نصرة المقر الكريم العالي، الكبيري الملكي الفلاني الفلاني يعني باللقب الملوكي، واللقب المضاف إلى الدين؛ مثل الصالحي الشمسي وما أشبه ذلك. ثم الدعاء. قال في التثقيف: ثم يقال: أصدرناها إلى المقر الكريم، وتبدي لعلمه الكريم. فيتقدم أمره الكريم. ويختم بما صورته فيحيط علمه الكريم بذلك. والدعاء. والعلامة أخوه. وتعريفه: صاحب ماردين. وورقه قطع العادة. ثم قال: ويتعين أن تكون ألقابه إلى آخر اللقب الملوكي سطرين سواء، وأن يكون لقبه العادي كالفخري مثلاً أول السطر الثالث.
وقد ذكر في التعريف ثلاثة صدور لمكاتبة تتعلق بصاحبها في زمانه، وهو الصالح شمس الدين صالح.
أحدها- ولا زال ملكاً تاجه المدائح، ومنهاجه المنائح، وطريقته إذا وصفت قيل: هذه طريقة الملك الصالح. أصدرناها إليه وشكرها تسوقه إليه حداة الركائب. وتشوق منه إلى لقاء الحبائب؛ وتثني على مكارمه التي كلما أقلعت منها سحائب أعقبت بسحائب؛ وتوضح للعلم الكريم.
الثاني- ولا زالت شمسه في قبة فلكها، وسماء ممالكه مملوءة حرساً شديداً وشهباً بملكها؛ ونعمه تتعب البحار إذا وقفت في طريقها، والغمائم إذا جازت في مسلكها. أصدرناها إليه والسلام متنوع على كرمه، متضوع بأطيب من أنفاس المسك في نعمه، متسرع إليه تسرع مواهبه إلى وفود حرمه. وتوضح للعلم الكريم.
الثالث- ولا زالت العفاة تلتحف بنعمائه، وتنتجع مساقط أنوائه، وتستضيء منه بأشرق شمس طلعت من الملك في سمائه؛ أصدرناها وثناؤها يسابق عجلاً، ومدائحها تجيد متروياً ومرتجلاً؛ وشكرها لو رصع مع الجواهر لأقام عذر الياقوت إذا اكتسى خده الحمرة خجلاً، وتوضح للعلم الكريم.
قلت: وعلى نمط هذه الصدور يجري الكاتب فيما يكتبه إلى صاحبها مناسباً لحاله لقبه بحسب ما يقتضيه الحال من المناسبات.
وهذه نسخة كتاب، كتب به إلى الملك الصالح شرف الدين محمود بن الصالح صالح، جواباً عما ورد به كتابه: من وفاة والده المنصور أحمد. نقلتها من مجموع بخط القاضي تقي الدين ابن ناظر الجيش وهو:
أعز الله تعالى نصرة المقر الكريم، إلى آخر ألقابه- ولا زال الملك باقياً في بيته الكريم، والفلك جارياً بإظهار شرفه العميم؛ وأعظم له الأجر في أكرم ملك انتقل إلى جنات النعيم، وهنأه بما أورثه من ذلك المحل الأسنى الذي هو الأولى فيه بالتقديم؛ وضاعف لسلطانه الصالح علو جده، بما منحه من ملكه الموروث عن المنصور أبيه والصالح جده، وبما خصه من إقبالنا الشريف وإحساننا المستديم. أصدرناها معربة عن الود الثابت الصميم؛ مهنئة له بقيامه بأمور مملكته التي تجملت بمحمود صفاته ومن سلف من أسلافه في الحديث والقديم، مبدية لعلمه الكريم أن مكاتبته الكريمه، ومخاطبته التي فحضت من الدر نظيمه، وردت على أبوابنا الشريفة على يد فلان فأقبلنا عليها، وألفتنا وجه الكرامة إليها، وعلمنا ما تضمنته من استمساك المقر الكريم بأسباب الوداد، واقتفائه في ذلك سبيل الآباء والأجداد؛ وما شرحه في معنى ما قدره الله تعالى من وفاة والده طاب ثراه، مستمراً على الإخلاص في الطاعة الذي لم يكن شانه شين ولا اعتراه؛ وأنه مضى- إن شاء الله تعالى- إلى الجنة وقد خلف من خلفه، وارتضى بما نال من الرضا عما قدمه من العمل الصالح وأسلفه؛ وما أبداه: من أنه إن اقتضت مراسمنا الشريفة وآراؤنا العالية أن يقوم مقامه، ويرعى في حقوقه ومصالح تلك المملكة ذمامه؛ فنرسم بإجرائه على السنة المعتاده، من إحسان بيتنا الشريف الذي بدأ به وأعاده؛ وإلا فتبرز الأوامر الشريفة بمن يسد اختلالها، ويسدد أحوالها، ويشيد مبانيها ويصلح أعمالها؛ ليقصد المقام الشريف بأبوابنا الشريفة سالكاً سبيل الطاعة المبين، منتظماً في سلك أوليائنا المقربين؛ إلى غير ذلك مما حمله لأستاد داره من مشافهته، وجميل مقاصده ووافر محبته وطاعته؛ وقد أحطنا علماً بذلك وسمعنا المشافهة المذكورة، وشكرنا محبته المأثورة، وإخلاصه في الخدمة الشريفه، وجميل الموالاة لتي تمنحه تكريمه وتشريه، واستمساكه بسنة آبائه الكرام، واجتهاده في المناصحة والطاعة التي لا تسامى من مثله ولا تسام؛ ونحن نعرف المقر الكريم أن محله ومحل بيته الكريم لم يزل لدينا رفيعاً مقداره، عالياً مناره؛ وأن مكانته من خواطرنا الشريفة متمكنة، ومنزلته قد صحت أحاديثها المعنعنة؛ وهو الأحق بمحل ملكه، والأولى بأن يكون من نظام عقود ملوكه واسطة سلكه؛ وقد اقتضت آراؤنا العالية أن يقوم مقام والده المرحوم، ويحل محل هذه السلطنة ليعلو قدره بإقبالنا الشريف على زهر النجوم، وليجلس بمكانه، وليبسط المعدلة لتكون حلية زمانه، وليستنصر على أعدائنا وأعدائه بأنصار الملك وأعوانه، وليستقر على ما هو عليه من المحافظة على الوداد، وليستمسك بعرى الإخلاص المبرأ من شوائب الانتقاد، وليقتف في ذلك سبيل سلفه الكريم، وليواصل بمكاتباته وأخباره على سننهم القويم؛ وقد أعدنا استاد داره بهذا الجواب الشريف إليه.
واعلم أنه قد ذكر في التثقيف: أن ممن يكتب إليه عن الأبواب السلطانية من أتباع صاحب ماردين نائبه، وذكر أنه كان اسمه في زمنه بهادر. وأن رسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء؛ وكذلك نائب الصالحية من عمل ماردين؛ وأن رسم المكاتبة إليه الاسم ومجلس الأمير. فليجر الكاتب على سنن ذلك إن احتيج إلى مكاتبتهما.
صاحب حصن كيفا- وهي مدينة من ديار بكر من بلاد الجزيرة، بين دجلة والفرات. وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك نقلاً عن التعريف: أن صاحبها من بقايا الملوك الأيوبية، وممن تنظر إليه ملوك مصر بعين الإجلال: لمكان ولائهم القديم لهم، واستمرار الوداد الآن بينهم.
ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في التعريف: أدام الله نعمة المجلس العالي، الملكي، الفلاني باللقب الملوكي العالمي، العادلي، المجاهدي، المؤيدي، المرابطي، المثاغري، الأوحدي، الأصيلي، الفلاني باللقب المتعارف عز الإسلام والمسلمين، بقية الملوك والسلاطين، نصرة الغزاة والجاهدين، زعيم جيوش الموحدين، شرف الدول، ذخر الممالك، خليل أمير المؤمنين وربما قيل: عضد أمير المؤمنين إذا صغر.
وذكر في التثقيف: ما يخالف في بعض ذلك، فقال: إن مكاتبته: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الكبيري، العالي، المجاهدي، المؤيدي، المرابطي، المثاغري، الأوحدي، الفلاني باللقب الملوكي واللقب المتعارف. عز الإسلام والمسلمين، زعيم جيوش الموحدين. ذخر الملة، سليل الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين. ثم الدعاء. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي. والعلامة أخوه. وتعريفه: صاحب حصن كيفا. قال: والكتابة إليه في قطع العادة.
قد ذكر في التعريف صدوراً لمكاتبته.
صدر: واستعاد به من الدهر من عهود سلفه ما تسلف؛ وحاز له من مواريث الملك أكثر مما خلى له أوله وما خلف، وحط للرحال في حصن كيفا به على ملك: أما المستجير به فيتحصن وأما فضله فلا يكيف؛ وأعان السحاب الذي كل عن مجاراته ويجري هو ولا يتكلف. أصدرت هذه المكاتبة إليه ونوءها يصوب، ولألاؤها تشق به الظلماء الجيوب، وثناؤها على حسن بلائه في طاعة ربه يقول له: صبراً صبراً كما تعودتم يا آل أيوب.
صدر آخر: وشد به بقية البيت، وحيا ظلله البالي وأحيا رسمه الميت؛ وذكر به من زمان سلفه القديم ما لا يعرف فيه هيت، وأبقى منه ملكاً من بني أيوب لا يثني وعده اللي ولا يقال في ليت؛ ونور الملك بغرته لا بما قرع السمع عن الشمع وورد المصابيح من الزيت، وحفظ منه جواداً لو عينه أخوه السحاب على السبق، لقال له: هيهات كم خلفت مثلك خلفي وخليت. أصدرت هذه المكاتبة إليه، أعز الله جانبه؛ والتحيات موشحة بنطقها، مصبحة لسجاياه الكريمة بخلقها، ساحبه إليه ذيل خيلائها: لأنها إذا اختالت به تختال، وبسببه على السرور تحتال.
ملوك كيلان- قال في التعريف: وهم جماعة كل منهم مستقل بنفسه، منفرد بملكه، على ضيق بلادهم وقرب مجاورة بعضهم من بعض. وقد تقدم الكلام على بلادهم في المسالك والممالك. قال في التعريف: ورسلهم قليلة، وكتبهم أقل من القليل.
ورسم المكاتبة إلى كل منهم على ما ذكره في التعريف نحو ما يكتب إلى صاحب حصن كيفا. يعني يكتب لكل منهم: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الملكي الفلاني إلى آخر ما تقدم هناك. قال في التعريف: إلا صاحب بومن فإنه يكتب له بـ الجناب. وهو مثلهم في بقية الألقاب. قال في التثقيف: ولم أر لهم مكاتبة، ولا كتب لهم في مدة مباشرتي بديوان الإنشاء الشريف شيء؛ غير أني رأيت بخط المولى القاضي المرحوم زين الدين خضر، أنه كتب أمثلة شريفة إلى جماعة، منهم حرم الدين. ببومن، ثم قال: وهذا هو الذي ذكر القاضي شهاب الدين أن مكاتبته أعلى مكاتباتهم؛ وأنه يكتب إليه الجناب. قال: وما يبعد أن الجماعة الذين كتب إليهم على ما ذكر القاضي زين الدين المشار إليه هم من جملة ملوك كيلان. ثم عدد من كتب إليه منهم فقال: وهم نبوباذ شاه، وسالوك ولده، في قطع العادة.
ورسم المكاتبة إليهما: خلد الله تعالى سعادة الجنابين الكريمين، العاليين، الكبيرين، العادليين، المجاهدين، المرابطيين، الملكيين: الشرفي الوسيفي. والدعاء والعلامة أخوهما. والعنوان سطران. وتعريفهما: نوباذ شاه وسالوك ولده صاحبا كوحسفا.
ناصر الدين بهلوان، وشرف الدين شرف الدولة صاحبا لاهجان مثل ذلك سواء.
فلك الدين صاحب دشت كذلك.
حسام الدين صاحب بومن كذلك. ثم قال نقلاً عن ابن الزيني خضر أيضاً: وقيل إن حسام الدين هذا كان صاحب بومن، وصاحبها الآن أخوه على ما ذكره محمود بن إبراهيم بن اسفندار الكيلاني حين كتب إليهم.
قلت: وهؤلاء هم ملوك كيلان، وهذه مدنهم على ما تقدم في المسالك والممالك. والعجب كيف وقع الشك في ذلك من صاحب التثقيف حتى قال: وما يبعد. وأما التسوية في الآخر بين صاحب بومن وغيره، فيجوز أن قدره انحط بعد زمن صاحب التعريف أو جهل الكاتب الثاني مقداره.
صاحب هراةوهي مدينة من خراسان. قال في التعريف: ولا يجري على الألسن الآن إلا صاحب هرى. قال: وكان ملكها الملك غياث الدين. ولم أسمع أعجمياً يقول إلا قياس الدين. وكان ملكاً جليلاً نبيلاً مفخماً معظماً، له مكانة عند الملوك الهولاكوهية، ومنزلة رفيع عليه. وكان بينه وبين النوين جوبان مودة أكيدة وصداقة عظيمة؛ فلما دارت به دوائر الزمان وأفضت به الحال إلى الهرب، لجأ إلى صاحب هرى هذا، على أنه يسل له الوصول إلى صاحب الهند؛ أو إلى ملك ما وراء النهر، فأجابه وأنزله، وبسط أمله؛ وأسر له الخداع حتى اطمأن إليه، فأصعده إلى قلعته ليضيفه، فصعد ومعه ابنه جلوقان، وهو ابنه من خوندة بنت السلطان خدابندا؛ وجلوقان هذا هو الذي أجيب إلى تزويجه ببنت السلطان الملك الناصر، وعلى هذا تمت قواعد الصلح. وبنى جوبان أمره على أنه بعد التزويج يأخذ له ملك بيت هولاكو بشبهة أنه ابن بنت خدابندا؛ وأنه لم يبق بعد أبي سعيد من يرث الملك سواه. ثم يستضيف له ملك مصر والشام بشبهة أن بنت صاحب مصر هي التي ترث الملك من أبيها؛ فحالت المنايا دون الأماني.
الحكام بهذه المملكة من جرت العادة بمكاتبته من الحكام بالجزيرة الفراتية من هذه المملكة الحاكم بشمشاط:
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنها بلدة من ديار مضر بين آمد وخرت برت. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه: السامي بالياء. والعلامة الاسم. وتعريفه: الحاكم بشمشاط.
الحاكم بميافارقين- وقد تقدم في المسالك والممالك أنها قاعدة ديار بكر. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه: السامي بغير ياء. والعلامة الاسم. وتعريفه: الحاكم بميافارقين.
الحاكم بجيزان- وقد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة من ديار بكر. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه: السامي بالياء. والعلامة الاسم. وتعريفه: الحاكم بجيزان وهو معدود في التثقيف: في جملة الأكراد.
الحاكم بجزيرة ابن عمر- وقد تقدم في المسالك والممالك أنها ميدنة صغيرة على دجلة من غربيها. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه: السامي بالياء. والعالمة له الاسم. وتعريفه: الحاكم بجزيرة ابن عمر. وذكره في التثقيف: في جملة الأكراد، وقال: كان بها عز الدين أحمد اليخشي. وذكر أن رسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء. وتعريفه: أحمد بن سيف الدين اليخشي الحاكم. واستقر بعد وفاته ولده عيسى، وورد كتابه في صفر سنة أربع وستين وسبعمائة، أخبر فيه بوفاة والده واستقراره مكانه. على أنه قد ذكر معبراً عنه بصاحب الجزيرة، وسماه بكلمش. وذكر أن المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء.
الحاكم بسنجار- وقد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة من ديار ربيعة. قال في التثقيف: وكان قد كتب لشيخو الحاكم بها مرسوم شريف بأن يكون نائباً بها حسب سؤاله في سنة ثلاث وستين وسبعمائة. قال: وكانت المكاتبة إليه أولاً الاسم ومجلس الأمير وكتب له حينئذ السامي بغير ياء.
الحاكم بتقل أعفر- وقد تقدم في المسالك والممالك أنها قلعة بين سنجار والموصل. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه: السامي بالياء. والعلامة له الاسم وتعريفه: الحاكم بتل أعفر.
الحاكم بالموصل- وقد تقدم في المسالك والممالك أنها قاعدة بلاد الجزيرة كلها في القديم حيث كانت بيد الجرامقة. قال في التثقيف: والمكاتبة إليه في قطع العادة الاسم، وصدرت والسامي. وتعريفه: الحاكم بالموصل. ورأيت في بعض الدساتير أن العلامة استقرت له والده عند استقراره نائب السلطنة بها.
الحاكم بالحديثة- وقد تقدم في المسالك والممالك أنها بلدة على الفرات. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء. وتعريفه: الحاكم بالحديثة. وهي غير حديثة الموصل. وهي بلدة شرقي دجلة تعد في بلاد العراق.
الحاكم بعانة- وقد تقدم في المسالك والممالك أنها بلدة صغيرة على جزيرة في وسط الفرات. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء. وتعريفه: الحاكم بعانة. ورأيت في بعض الدساتير أن المكاتبة إليه: السامي بغير ياء.
الحاكم بتكريت- وفي التثقيف: صاحب تكريت. وقد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة من آخر مدن الجزيرة بين دجلة والفرات. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه مثل الحاكم بالموصل، فتكون في قطع العادة. والعلامة الاسم. وتعريفه: الحاكم بتكريت.
الحاكم بقلعة كشاف- وقد تقدم في المسالك والممالك أنها في الجنوب عن الموصل بين الزاب والشط، وأنه عدها في تقويم البلدان من بلاد الجزيرة مرة، ومن عراق العجم أخرى. وأنه أوردها في التثقيف: بإثبات الألف واللام. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه مثل حاكمي عانة والحديثة، فتكون المكاتبة إليه السامي بالياء. ورأيت في بعض الدساتير أن المكاتبة إليه: السامي بغير ياء. وتعريفه: الحاكم بقلعة كشاف.
الحاكم بإسعرد- وهي سعرت. قد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة من ديار ربيعة. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه: مجلس الأمير. وحينئذ فتكون في قطع العادة. والعلامة الاسم. وتعريفه: الحاكم بإسعرد.
صاحب حاني- ويقال لها حنا. وهي مدينة من ديار بكر. وقد ذكر في التثقيف: أن صاحبها تاج الدين. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء.
من جرت العادة بالمكاتبة إليه بالجانب المختص ببني جنكزخان من بلاد الروم من مارية وما معها:
أرتنا، الذي كان قائماً بهذه البلاد عن بني هولاكو من التتر. ورسم المكاتبة إليه في قطع الثلث: ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي، الأميري، الكبيري، العالمي، العادلي، المؤيدي، العوني، الزعيمي، الممهدي، المشيدي، الظهيري، النويني، الفلاني؛ عز الإسلام والمسلمين، سيد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدم العساكر، كهف الملة، ذخر الدولة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين. والدعاء والسلام. والعلامة أخوه.
وذكر في التثقيف: أنه كتب إلى ولده محمد بعده كذلك في قطع الورق والمكاتبة والعلامة. وأنه كتب إلى علي بك بن محمد المذكور بعده كذلك، إلا في العلامة فإنه استقرت له والده، وكتب تعريفه: علي بك ابن أرتنا.
من جرت العادة بمكاتبته من الحكام ببلاد العراق الحاكم بهيت:
وعبر عنه في العريف بصاحب هيت. وقد تقدم في المسالك والممالك أنها شمالي الفرات من أعمال بغداد. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء؛ وتعريفه: الحاكم بهيت.
الحاكم بالقنيطرة- وقد تقدم في المسالك والممالك أها بلدة بالقرب من مرسى الحلة. قال في التثقيف: والمكاتبة إليه السامي بالياء. والعلامة الاسم. وتعريفه: الحاكم بالقنيطرة. ثم قال: وآخر ما استقرت مكاتبته عليه السامي بغير ياء. وعبر عنه في موضع آخر بإبراهيم صاحب القنيطرة. وذكر أن المكاتبة إليه الاسم والسامي. وأن تعريفه اسمه خاصة.
من جرت العادة بمكاتبته من الحاكم ببلاد الجبل وهي عراق العجم الحاكم بإربل:
وعبر عنه في التثقيف: بصاحب إربل. قال في التثقيف: كان بها الشريف علاء الدين علي الدلقندي؛ ثم استقر بها الشريف يحيى؛ ثم استقر بها علي ولده. قال: والمستقر بها الآن على ما تحرر في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة أسد الدين أسد. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء. وتعريفه: الحاكم بإربل.
صاحب قاشان- وسماها في التثقيف: قيشان. ورسم المكاتبة إليه: السامي بغير ياء.
صاحب باب الحديد- المعروفة عند الترك بتمر قأبو. وهي باب الأبواب. قال في التثقيف: كان بها كاووس، وكتب إليه جواب في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وسبعمائة أويس في قطع الثلث، والدعاء والعالي. وتعريفه اسمه لا غير.
من جرت العادة بمكاتبته من الحكام ببلاد فارس الحاكم بشيراز:
وقد تقدم في المسالك والممالك أنها قاعدة بلاد فارس. قال في التثقيف: والمستقر بها على ما تحرر في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة. شاه شجاع، أخو شاه ولي. وذكر أنه لم يكتب إليه في مدة مباشرته من ديوان الإنشاء، ولا وقف على مكاتبة إليه. ثم قال: غير أنه يمكن أن تكون المكاتبة إليه نظير المكاتبة إلى الأشراف تمرتاش المستولي على تبريز؛ فإنه قال: إن شيراز قدر تبريز ونظيرها. فعلى هذا يكون رسم المكاتبة إليه في قطع الثلث: ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري، الكبيري وبقية الألقاب والنعوت. ويكون فيها النويني كما في مكاتبة المستولي على تبريز.
من جرت العادة بمكاتبته ببلاد كرمان صاحب هرمز:
وقد تقدم في المسالك والممالك أن قاعدة كرمان القديمة السيرجان وأن هرمز فرضه كرمان، وأنها خربها التتر عند خروجهم على تلك البلاد بكثرة الغارات، وانتقل معظم أهلها إلى جزيرة ببحيرة بحر فارس على القرب منها تسمى وزرون. وقد كتب إلى صاحبها عن سلطان العصر الملك الناصر فرج ابن الظاهر برقوق في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة مفاتحة في قطع.
من جرت العادة بمكاتبته من بلاد أرمينية وأران وأذربيجان النائب بخلاط من أرمينية:
قد تقدم في المسالك والممالك أنها كانت قاعدة بلاد الكرج. قال في التثقيف: ويقال إن حاكمها من الأكراد، واسمه أبو بكر ابن أحمد بن أزبك. ثم قال: ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء؛ فيكون في قطع العادة. وتعريفه: النائب بخلاط.
الحاكم بحصن أرزن- وهي أرزن الروم. قال في التثقيف: وهو- على ما اتضح آخراً في رمضان سنة ست وسبعين وسبعمائة- علاء الدين علي بن قرا. وردت مكاتبته أن صاحب حصن كيفا ابن خاله. ورسم المكاتبة إليه على ما في التثقيف: مثل صاحب حصن كيفا من غير زيادة ولا نقص. على أنه في التعريف قد ذكر أن المكاتبة إليه: السامي بالياء. قال في التثقيف: والصحيح ما تقدم، فإني كتبت إليه بهذه المكاتبة مرات، وهو المتداول بين الموالي الجماعة إلى آخر وقت. وقد تقدم في المسالك والممالك أنها في آخر بلاد الروم من جهة الشرق.
صاحب بدليس- قد ذكر في التعريف: أنه كان في زمانه الأمير شرف الدين أبو بكر. وقال: إنه يتهم بمذهب النصيرية. ثم قال: وبلده صغيره، ودخله يسير، وعمله ضيق. وهو طريق المارة وقصاد الأبواب السلطانية إلى الأردو إذا لم يكن بالعراق وله خدمة مشكورة. وعدة في التثقيف: في جملة الأكراد. قال في التعريف: ورسم المكاتبة إليه: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري أسوة الأمراء. وذكر في التثقيف: أنه كان بها ضياء الدين أبو الفوارس الروشكي أخو الغرس بالو؛ وأن المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء. وتعريفه: صاحب بدليس. وأنه استقر بعده ولده الرحاح، وكوتب بمثل ذلك سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
صاحب موقان- وهي موغان. وسماها في التثقيف: ميوغان. قال في التثقيف: وكان بها محمد شاه بن أميرشاه، وكتب إليه مستجداً في سنة سبع وستين وسبعمائة السامي بغير ياء.
النائب بخرت برت- وهي حصن زياد. ذكره في التثقيف: من جملة تركمان البلاد الشرقية، وذكر أن اسمه يومئذ باليس، وأن رسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء. وتعريفه اسمه، ثم قال: وهكذا كان يكتب إلى صاحب خرت برت قبله. ثم ذكر أنه رأى بخط القاضي شهاب الدين بن الصفدي أنه استقر بها علاء الدين بن خالد المليكشيبعد حسام الدين خربندة، وأن مكاتبته السامي بالياء.
الصنف الثالث ممن يكاتب بهذه المملكة العربان:
وهم: عبادة وخفاجة وقد تقدم في الكلام على أنساب العرب أن نسبهما في عامر بن ضعضعة من قيس عيلان. وأجل من يكتب إليه منهم رسمه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأمير. على أن صاحب التثقيف قد ذكر أنه لم يطلع على مكاتبة إليهم.
الصنف الرابع ممن يكاتب هذه المملكة: التركمان:
قال في التثقيف: والأكابر في البلاد الشرقية الذين يكتب إليهم من هذه الطائفة مفرداً قليل. أما بقيتهم من تركمان الطاعة الشريفة فقد يكتب إليهم عند المهمات مطلقات شريفة، ثم ذكر جماعة ممن يكتب إليه على انفراد، ولم يعين لأحد منهم بلداً ولا رياسة قوم معروفين. وها أنا أذكرهم: ليقاس عليهم لدى تحقق مقامهم.
منهم: مراد خواجا. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء. وتعريفه اسمه.
ومنهم: باكيش الكبير ابن أخي توزطوغان. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء. وتعريفه اسمه.
ومنهم: زين الملك توزطوغان. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء. وتعريفه: مقدم التركمان بالبلاد الشرقية.
ومنهم: علي بن إينال التركماني من الطائفة الروزقية. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء وتعريف اسمه.
ومنهم: يعقوب بن علي شار. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء وتعريفه اسمه. قال في التثقيف: وقد ذكر القاضي ناصر الدين بن النشائي أنه كتب إليه كذلك في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة.
ومنهم: سالم الدلكري، ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء، وتعريفه اسمه.
واعلم أنه قد تقدم في الكلام على تركمان البلاد الشامية نقلاً عن التثقيف أن من طوائف التركمان الذين هم تحت الطاعة من لم يكتب إليه بعد؛ بل إذا كتب في مهم شريف، كتب إلى كل طائفة منهم أو إلى سائر الطوائف مطلق شريف. وعد منهم طوائف: الأولى- البوزقية: جماعة بن دلغادر وابن إينال المقدم ذكره.
الثانية- أولاد رمضان: الأمرية.
الثالثة- الأوشرية: تركمان حلب.
الرابعة- الدلكرية: جماعة سالم الدلكري.
الخامسة- الخربندلية: جماعة مصطفى.
السادسة- الأغاجرية.
السابعة- الورسق: تركمان طرسوس.
الثامنة- القنقية.
التاسعة- البابندرية: وهم النقيبية.
العاشرة- البكرلية: أولاد طشحون.
الحادية عشرة- البياضية.
ثم قال: وثم جمائع كثيرة لا يمكن استيعابهم.
قلت: فإن كان من هذه الطوائف شيء بهذه البلاد، فحكمه ما تقدم في الكلام على تركمان البلاد الشامية.
الصنف الخامس ممن يكاتب بهذه المملكة: الأكراد:
وقد تقدم الكلام على طوائفهم ومنازلهم من بلاد الجبال من عراق العجم. قال في التثقيف: وهم خلائق لا يحصون، ولولا أن سيف الفتنة بينهم يستحصد قائمهم، وينبه نائهم، لفاضوا على البلاد، واستضافوا إليهم الطارف والتلاد؛ ولكنهم رموا بشتات الرأي وتفرق الكلمة، لا يزال بينهم سيف مسلول، ودم مطلول، وعقد نظام محلول، وطرف باكية بالدماء مبلول. وهم على ضربين:
الضرب الأول: المنسوب منهم إلى بلاد ومقرات معروفة:
قال في التعريف: ولهم رأسان كل منهما رجل جليل، ولكل منهما عدد غير قليل.
أحدهما- صاحب جولمرك، من جبال الأكراد من عراق العجم. قال في التعريف: وهو الكبير منهما الذي تتفق طوائف الأكراد مع اختلافها على تعظيمه، والإشارة بأنه فيهم الملك المطاع والقائد المتبع. وهو صاحب مملكة متسعة ومدن وقلاع وحصون، وله قبائل وعشائر وأنفار. قال: وهم ينسبون إلى عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. ثم قال: وكانت الإمرة قد انتهت فيهم إلى أسد الدين موسى بن مجلي بن موسى بن منكلان. وكان رجلاً كريماً عظيماً نهاباً وهاباً، تجله ملوك الممالك الجليلة، وتعظمه حكام الأردو وصاحب مصر. وإشارته مقبولة عند الجميع. وإذا اقتتلت طائفتان من الأكراد فتقدم إليهما بالكف كفوا، وسمعوا له سمع مراع لا سمع مطيع. وذكر أن القائم فيهم إذ ذاك من بنيه الملك عماد الدين مجلي: وهو رجل يحب أهل العلم والفضل، ويحل منهم عنده من أتاه أعظم محل. وقد مضى القول على ذلك مستوفى في الكلام على الأكراد عند ذكر عراق العجم من المسالك والممالك، من المقالة الثانية. قال في التعريف: ورسم المكاتبة إليه: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري والألقاب التامة الكاملة.
الثاني- صاحب عقرشوش من بلاد الجزيرة. قال في التعريف: وملوكها الآن من أولاد المبارزكك. قال: وكان مبارز الدين كك هذا رجلاً شجاعاً كريماً تغلب عليه غرائب من الهوس. فيدعي أنه ولي من الأولياء يقبل النذور. وكانت تنذر له النذور تقرباً إليه؛ فإذا أتاه النذر أضاف إليه مثله من ماله وتصدق بهما جميعاً. قال: وأهل هذا البيت يدعون عراقة الأصل في الإمرة وقدم السؤدد والحشمة. ويقولون إنهم عقدت لهم ألوية الإمارة وتسلموا أزمة هذه البلاد وتسنموا صهوات الصياصي بمناشير الخلفاء؛ وأنهم كانوا لهم أهل وفاء. ولهم في هذا حكايات كثيرة، وأخبار مأثورة؛ وهم أهل تنعم ورفاهية ونعمة ظاهرة، وبزة فاخرة؛ وآدر مزخرفة، ورياض مفوفة؛ وخيول مسومة، وجوارح معلمة؛ وخدم وغلمان، وجوار حسان؛ ومعازف وقيان، وسماط ممدود وخوان. قال: وموقع بلادهم من أطراف بلادنا قريب، والمدعو منهم من الرحبة وما جاورها يكاد يجيب. ثم قال: وملوكنا تشكر لهم إخلاص نصيحة، وصفاء سريرة صحيحة. وذكر أن القائم فيهم في زمانه شجاع الدين ابن الأمير نجم الدين خضر بن المبارزكك، إلا أنه لم يبلغ مبلغ أبيه، بل لا يقاربه، ولا يدانيه؛ على أنه قد ملك ملكه، ونظم سلكه. وقد تقدم الكلام على ذلك أيضاً في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية.
ورسم المكاتبة إليه على ذكره في التعريف مثل صاحب حولمرك، وهي: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري. وذكر في التثقيف: أن المكاتبة كانت إلى خضر بن المبارزكك صدرت والعالي. والعلامة أخوه. وتعريفه: خضر بن المبارزكك. مع عدم تعريجه على ما في التعريف جملة. وقد ذكر في التثقيف: منهم جماعة سوى من تقدم ممن هم منهم بالجزيرة، كالحاكم بجزيرة ابن عمرن والحاكم بحاني، وصاحب عقرشوش. ولم يذكر بلاد من ذكره منهم ممن يأتي ذكره منهم ومن كان بكل بلد منهم من أكابرهم وحكامهم؛ ورسم المكاتبة إليهم على ما ذكره، وهم قسمان:
القسم الأول- من علمت المكاتبة إليهم، وهم: صاحب برخو- وهو يومئذ أمير حسين بن الملك أسد. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء.
صاحب البلهتية- قال: وكان بها شمس الدين بن البيليق، ثم استقر بعده أخوه أحمد. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء أيضاً.
صاحب الدربنده- قال: وكان بها سيف الدين أصبر بن أرشير الحسيناني. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء. وتعريفه: أمير أزشير الحسيناني صاحب الدربنده.
صاحب كرمليس- وهو سحب مسعود. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء.
صاحب العمادية- عماد الدين إسماعيل بن علي بن موسى. ورسم المكاتبة إليه: السامي بغير ياء. وتعريفه: صاحب قلعة العمادية. وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنهم بالقرب من طائفة الجولمركية. قال في التثقيف: وكان بها أولاد الحاجي بن عمر، وردت مطالعته كذلك الحاجي بن عمر صاحب العمادية في سنة أربعين وسبعمائة.
صاحب مازكرد- حسن بن إسماعيل. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء.
صاحب رندشت- بجبال همذان وشهرزور. وهو عبد الله بن حسان الدين رسلان. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء.
صاحب جرذقيل- بهاء الدين عمر بن إبراهيم الهكاري. ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء.
صاحب سكراك- كرجي بك. ورسم المكاتبة إليه: مجلس الأمير. والعلامة الاسم.
صاحب فيلبس- سلطان شاه. ورسم المكاتبة إليه: مجلس الأمير. والعالمة الاسم.
صاحب شكوش- أمير أحمد. ورسم المكاتبة إليه: مجلس الأمير والعلامة الاسم.
صاحب جرموك- مجلس الأمير. والعلامة الاسم الشريف.
صاحب بهرمان- عبد الصمد. ورسم المكاتبة إليه: مجلس الأمير. والعلامة الاسم.
صاحب حصن أران- وهو حصن الملك- شجاع الدين خضر بن عيسى الشهري. ورسم المكاتبة إليه: مجلس الأمير والعلامة الاسم.
القسم الثاني- من ذكره في التثقيف ولم يذكر مكاتبته وقال: إنه وقف عليه كذلك؛ وهم: صاحب خفتيان- تاج الدين أخو باشاك.
صاحب سوبخ- أمير عيسى بن باشاك.
صاحب أكريسنا- ملك بن باشاك.
صاحب يزاكرد- بهاء الدين الزرزاري.
صاحب زاب- فخر الدين عثمان الزابي.
صاحب السرسه- شمس الدين بن بهاء الدين.
صاحب الدربندات القرابلية- علي بن كراقي، تعريف صاحب دربند القرابلي.
صاحب قلعة الجبلين- حسام الدين بن تاج الدين العاملي.
صاحب سيدكان- أمير علي بن حسام الدين الزرزاري.
صاحب هرور- بهاء الدين حسن بن عماد الدين.
صاحب رمادان- أمير عبد الله الكركاني.
صاحب الشعبانية- حسام الدين أمير مري السبيني.
صاحب نمرية- بهاء الدين.
صاحب سياح- سنقر.
صاحب المحمدية- الشيخ محمد.
صاحب كزليك.
الضرب الثاني: من لم يصرح له بمكان:
وقد ذكر في التثقيف: منهم جماعة ممن كان في الزمن المتقدم، وصرح بذكر المكاتبة إليهم، فذكر منهم أبو بكر بن المبارزكك الاسم والسامي بغير ياء، وتعريفه اسمه.
مبارز الدين عبد العزيز أخوه مثله.
علي وعمر ولدا ابن بروحي. ورسم المكاتبة إلى كل منهما الاسم والسامي بغير ياء.
خالد المليكشي كذلك.
أولاده: محمود وأحمد مجلس الأمير.
بهاء الدين بن الغرس بالو- الاسم والسامي بغير ياء.
عبد الله الشهري- الاسم والسامي بغير ياء.
شجاع الدين خضر بن عيسى الشهري أخو عبد الله الشهري- الاسم والسامي بغير ياء.
مبارز بن عيسى بن حسن السلاري- الاسم والسامي بغير ياء. قال في التثقيف: ومكاتبته مستجدة في العشر الأول من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة.
خضر بن محمد الهكاري- الاسم والسامي بغير ياء. قال: وهو مستجد المكاتبة أيضاً في العشر الآخر من صفر سنة تسع وستين وسبعمائة.
قلت: فإن اتفق المكاتبة إلى أحد من هؤلاء المجهولين الكتابة أو غيرهم من الأكراد كتب له على قدر مقداره بالنسبة إلى من علمت المكاتبة إليه.
قال في التعريف هنا: ومما ينبه عليه أن طرق المبارين، ومسالك المسافرين، من بلادنا إلى خراسان ومنها إلينا يظهر في بعض الأحيان أهل فساد يعمدون إلى عميد يقدمونه عليهم فيقطعون السبل، ويخيفون الطرق، وتطير سمعة عميدهم، وتنتشر في قريبهم وبعيدهم؛ فيكاتب ذلك العميد من أبواب الملوك، ويضطر إليه لفتح الطريق بالسلوك؛ ويكون من غير بيت الإمرة، وربما هوى نجمه، فانقطع بانقطاع عمره اسمه؛ مثل الجملوك الخارج بطريق خراسان، والغرس بالوا الخارج فيما يقارب بلاد شهرزور، ومثل الخارجين على دربند القرابلي. قال: وهؤلاء وأمثالهم يطلعون طلوع الكمأة لا أصل ممتد، ولا فرع مشتد؛ فهؤلاء لا يعرف لأحد منهم رتبة محفوظة، ولا قانون في رسم المكاتبة معروف؛ وإنما الشأن فيما يكتب إلى هؤلاء بحسب الاحتياج وقدر ما يعرف لهم من اشتداد الساعد، وعدد المساعد. قال: ولقد كتبنا إلى كل من الجملوك والغرس بالو، بالسامي بالياء، وجهزت إليهما الخلع وأتحفا بالتحف.
الصنف السادس ممن يكاتب بمملكة إيران: أرباب الأقلام:
ذكر في التثقيف: أنه كتب إلى مجد الدين أخي الوزير غياث الدين: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الصاحبي، الأجلي، الكبيري، العالمي، الكافلي، الماجدي، الزيني، الأميري، الأوحدي، المعظمي، الذخري، المجاهدي. قال في التثقيف: هذا ما وجدته بخط القاضي ناصر الدين بن النشائي؛ ولم يذكر تعريفه ولا العلامة إليه. وكتب إلى علاء الدين صاحب الديوان مثله. والعلامة إليه أخوه. قال في التثقيف: هكذا وجدته في خط ابن النشائي ولم يذكر تعريفه.
الوزير شمس الدين- قال في التثقيف: نقلت من خط القاضي شهاب الدين بن الخضر أن مكاتبته في قطع العادة الاسم والسامي الأميري الشريفي الحسيبي النسيبي. وبقية الألقاب. ولم يكتب له الصحابي ولا الوزيري. قال: ولم يذكر شيئاً غير هذا. ثم قال: ولا أعلم لمن وزر المذكور، ولا من أي بلاد الشرق.
ضاء الدين صاحب الديوان- المكاتبة إليه حسب ما نقله في التثقيف: عن خط ابن الخضر أيضاً الاسم والسامي الأمير الأجل. وذكر أن كتبه إليه على يد سراج الدين قاضي قيسارية. قال في التثقيف: وعلى هذا أن ضياء الدين هذا من أهل المملكة الرومية.
معين الدين صاحب الديوان- مثله.
الصنف السابع ممن يكاتبون بمملكة إيران: أكابر المشايخ والصلحاء:
قد ذكر في التثقيف: ممن كوتب من مشايخ هذه البلاد ثلاثة مشايخ. فنحن نذكرهم ليقاس عليهم، ولئلا يهمل شيء مما أورده في التثقيف.
الأول- شمس الدين الطوطي. قال في التثقيف: وهو فيما أظن ممن كان يكتب إليه قديماً، ولم يكتب إليه بعد ذلك. قال: ورسم المكاتبة إليه حسب ما نقلته من خط القاضي ناصر الدين بن النشائي: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الشيخي، الأجلي، العالمي، العاملي، الكاملي، الفاضلي، الزاهدي، الورعي، العابدي، الخاشعي، الناسكي، القدوي، الأوحدي، الفلاني، مجد الإسلام، صدر الأنام، بقية السلف الكرام؛ فخر العلماء، أوحد الكبراء، زين الزهاد، عماد العباد؛ قدوة المتورعين، ذخر الدول، ركن الملوك والسلاطين. والدعاء وتصف لعلمه المبارك. والعلامة الاسم. قال في التثقيف: هذا صورة ما وجدته من غير زيادة. ولم يذكر تعريفه ولا محله من البلاد. قال: وقد كتبت في نعوته: ركن الملوك والسلاطين. وهو غريب لأنه خلاف ما جرت به العادة.
الثاني- الشيخ غياث الكججي بتبريز. ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره المشار إليه: أعاد الله تعالى من بركة المجلس السامي الشيخي. وبقية الألقاب الغياثي وتكملة النعوت بما يناسب. والعلامة الاسم، وتعريفه: محمد الكججاني.
الثالث- الشيخ حسن بن عبد القادر الجيلاني. وكان من المناصحين الذين يكتب إليهم قديماً. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء. ثم قال: ومن ألقابه: الشيخ العالم العامل القدوة المرشد فلان الدين.
قلت: هذا ذهول منه، وإلا فمقتضى هذه الألقاب المجردة عن الياء أن تكون الكتابة إليه السامي بغير ياء.
الصنف الثامن ممن يكاتب بمملكة إيران: النساء:
وقد ذكر في التثقيف: المكاتبة إلى أربع منهن: الأولى- دل شاد زوج الشيخ حسن الكبير. كتب إليها في قطع العادة: أدام الله تعالى صون الجهة المحبجة، المصونة، العصمية، الخاتونية، المعظمية، سيدة الخواتين، زينة نساء العالمين، جميلة المحجبات، جليلة المصونات، قرينة نوين الملوك والسلاطين. والدعاء، والعالمة أخوها. وتعريفها الخاتون المعظمة دل شاد.
الثانية- كلمش والدة بولاد مثلها، غير أن العلامة الاسم، وتعريفها اسمها المذكور.
الثالثة- زوجة أملكان ابن الشيخ حسن الكبير على ما استقر عليه الحال عندما كتبت جوابها على يد رسولها في ذي القعدة سنة أربعين وسبعمائة مثل دلشاد، والعلامة والدها. وتعريفها سلطان نختي.